حبّة طماطم!
ـ استوقفتني هذه الحكاية، عميقة المعنى، وقد حكاها لي صديق نقلًا عن والده رحمه الله. يقول صديقي: كان والدي قد تعرّف على عامل مصري بسيط، يراه بعد عصر كل يوم ويُحادثه، وكثيرًا ما كان يراه وقد وضع أمامه حبّة طماطم في صحن صغير، عرف فيما بعد أنها وجبة الغداء اليوميّة له.
ـ شيء في جينات كل مصري أن يقول: "تفضّل"!. لكن هذا الشخص كان يقولها بصدق، وليست "عزومة مراكبيّة"، وهو تعبير مصري ساخر أظنّه واضح المعنى!. المهم يأتي الآن: كان والد صديقي يلاحظ بإعجاب وباستغراب تفنّن المصريّ في تحضير وجبة غدائه هذه!.
ـ طبق صغير وقديم لكنه نظيف تمامًا، يضع فيه حبة الطماطم المغسولة بعناية، ثم يبدأ بتقطيعها بإيقاع يترنّم به السّكّين الصغير النظيف جدًّا، يوزّع القِطَع بأشكال مختلفة: وردة، أشعة شمس، أو تلال!. كل مرّة شكل حسب الهوى والمُتاح!.
ـ يُخرج من جيبه، ملحًا وفلفلًا، ويرشّهما على ما تشكّل في الصحن من قِطعة الطماطم الوحيدة. يفعل ذلك برشاقة ومرح، وبعناية فائقة، عناية تُبقي عينيه على عمله هذا، مهما كانت نوعية الحديث الذي يتحدث به لجليسه أو يسمعه منه!.
ـ يحكي صديقي أن الأمر أثار حفيظة والده وفضوله، خاصةً أنه ظل يتكرر مرات كثيرة، بالعناية ذاتها وبالشغف ذاته، فسأل صديقه المصري عن الأمر، والحكمة كلها كانت في الجواب:
ـ هذا غدائي، وبما أن هذا هو ما أقدر عليه، فإنني أعمل ما وسعني لأجعله جميلًا ولذيذًا وشهيًّا!. ولأتمكّن من ذلك يكفي أن أحبه، وأن أتعامل معه بحب، أنْ أختار حبّات الطماطم بعناية، وأعرف من شكلها وملمسها، أيها الأصلح للأكل اليوم، وأيها التي يمكن الاحتفاظ بها ليوم أو يومين دون أن تفقد نضارتها!.
ـ ومن الحجم، وبحسب الرغبة، أرش الملح والفلفل. مسألة الرّش هذه فنّ يا صاحبي، مثل الأغنية: حبة الطماطم والملح والفلفل مثل الكلمات واللحن والأداء، الفرق أن مكان أغنيتي هو اللسان وليس الأُذُن!.
ـ القناعة كنز، والحياة فن. كل عام وأنتم بألف خير وصحة. مبارك لكم وعليكم بإذن الله الشهر الفضيل، تقبّل الله منّا ومنكم صالح العمل. وسامحونا. نلتقي بإذن الله على خير بعد الإجازة. سلام.