2019-11-15 | 00:36 مقالات

«أصلا ما عندكم بحر»

مشاركة الخبر      

نعشق المقارنات.. ماجد أفضل أم سامي.. طلال أو محمد.. الرز البخاري أطعم أو المندي..
تلك المقارنات تتحول إلى مشاحنات.. فننظر فقط لمن مالت كفته ونتغنى به، أما المنافس فنضرب به أسفل السافلين.. رغم أن مساحة الإبداع واسعة والجمال لا ينضب.. تردد على المتمسك برأيه مقولة: "لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع".. لا يبالي.. كم تتمنى أن يبور رأيه.. المقارنة وصلت إلى المدن..
في أواخر 1999م، أجريت مكالمة على الهاتف الثابت بعمّ لي "أخو الوالد" يكبرني بأكثر من 15 عامًا، لكن جلسته لا يملّ منها، من سكان جدة بحكم ظروف عمله "طيارًا"، أطلب منه زيارتنا في الرياض، وأقول له: "دائمًا نزوركم في جدة هذي المرة ودنا تنورونا في الرياض"..
لا أستطيع أن أسمع صوته بشكل جيد من أصوات الصغار حوله.. يطلب منهم الصمت فلا يستجيبون.. يستأذني في تكرار سؤالي.. أعيده باللهجة الحجازية قد تصل أسرع.. بالكاد يلتقط المعلومة من "الدوشة" المحيطة به.. يصمت قليلاً.. يفكر.. يلتفت على أبنائه يقول لهم: "وش رايكم نروح الرياض في الإجازة".. صوت الضجيج اختفى فجأة.. لا أحد يرد.. يعيد السؤال ذاته.. لا إجابة.. حاول معهم كثيرًا ليصمتوا ويركز في المكالمة، لكن تلك الجملة كان لها وقع غريب..
صوت من بعيد لطفل في العاشرة يرد.. "ما نبي نروح الرياض".. يسأله عمّي عن سبب رفضه، فيرد الطفل: "أصلاً الرياض ما فيها بحر ليش نروح".. ليس الطفل وحده من عارض الفكرة، بل الجميع لكن لم يعلنوها.. ببساطة ألغيت الفكرة وذهبت إلى جدة.. الطفل تغلب عليّ رغم المغريات التي قدمتها له في حال زارنا في الرياض.. قلت له إن البحر غدار ومالح.. لكنه لم يبال بما قلت..."..
لا أنكر بأني غضبت منه في ذلك الوقت..
مقولة "الرياض ما فيها بحر" أضعفت العاصمة عند مقارنتها سياحيًّا ببقية المدن، رغم أن لكل منطقة أو مدينة طبيعة جغرافية وجمالية، إلا أن الرياض لم تكن جاذبة للسياح في نظر الكثير..
بعد مرور 20 عامًا، ومع انطلاق موسم الرياض الذي يحتاج إلى مجلد للحديث عنه وليس إلى مقال.. يردني اتصال على هاتفي الجوال.. الطفل أصبح شابًّا ناضجًا.. وبعد الانتهاء من السلام.. يقول لي: "أنا جاي الرياض أحضر فعاليات موسم الرياض بصراحة ما تتفوت".. كان نفسي أقول له: "الموسم انتهى".. لكن السوشال ميديا فاضحتنا.. هو طبعًا لا يذكر مقولته وهو طفل، لكني ذكرته بها بعد أن عدلتها وقلت له: "أصلاً الرياض كل شيء فيها الحين".
شكراً لمن جعل الرياض جاذبة بدون بحر.