كشتة
ولو جبر خاطر
الكشتة لا تحتاج إلى تعريف بل إلى صحبة جيدة.. تلك الكلمة نسمعها كثيراً في السابق مع قرب الإجازة الأسبوعية أو عند اعتدال الطقس.. الكشتات أحد أهم الفعاليات الترفيهية في زمننا لا تتخطى “بساط” سعره 15 ريالاً يلقى به في أرض خالية على الطرق السريعة، وطبعاً هناك الكشتات البرية الموسعة ولكن هنا أتحدث عن البسيطة التي تكون على مدار العام..
في يوم الشمس غابت فيه.. والسماء ملبدة بالغيوم.. الرياض تتنفس “الديمه”.. أفكار الغياب عن المدرسة والاستمتاع بالأجواء لم تكن تستهويني.. دخلت الفصل الدراسي.. نصفه غائب.. الصفوف الخلفية طبعاً.. عدا زميل واحد لم يغب.. استغربت حضوره..
المعلم يخرج للبحث عن “طباشير” في الفصل المجاور.. وصوت من الخلف ينطق بكلمة واحدة.. “نكشت؟”.. التفت عليه فوراً نحن في مدرسة وليس على طريق الثمامة.. أجاب: “أقصد في المساء”.. وافقته ووزعنا المهام البسيطة “لوازم الكشتة”.. بعد الاتصال بزملائنا الغائبين في المقاعد الخلفية..
اتجهنا إلى أراضٍ خالية على طريق الملك خالد بالقرب من مخرج العمارية.. صندوق المركبة يفتح.. وضعنا البساط والشاي والقهوة والتمر والفصفص والمكسرات.. لا يوجد جوالات في أيدينا لذا كنا نتحمل الاختراعات في القصص ولا نستطيع التكذيب أو التجاهل مع ذلك منا مستمتعين.. باب المركبة مفتوح نستمع إلى أغان طربية بصوت خفيف.. ووسط الضحكات والحكايا المصطنعة فإذا بشخصين يكبراننا عمراً يتقدمان ويستأذنان في الجلوس.. “إكرام الضيف واجب حتى في الكشتة”..
بدأ في النصح والإرشاد والتحذير و و و.. قبل ذلك طلبوا خفض صوت الطرب أو إغلاقه.. ساعتان كاملتان ونحن نقول لهما: “إن شاء الله”.. تحولت الكشتة إلى محاضرة.. وبعد الانتهاء قدما أشرطة فيها من النصح.. جزاهم الله خيراً.. ولكن ليس المكان والزمان مناسبين.. الترويح عن النفس حق..
بعد ذهابهما تنفسنا قليلاً وعدنا إلى الجلسة ونحاول أن نستعيد الضحكات بعد أن اختفت خلف سيل النصائح.. عدنا إلى ما كنا عليه.. وإذا بسيارة تقترب منا، قائدها يمارس هواية التفحيط في الأراضي الخالية.. ليملأ “الفناجيل والبيالات” بالأتربة.. لممنا أغراضنا وأنهينا الكشتة..
ترفهينا في السابق بسيط ولا يعني المقارنة مع الترفيه الحالي بأننا لم نكن مستمتعين بأيامنا، فلكل زمن ترفيه ورجال، لكن كانت هناك منغصات عدة تقف في وجه ترفيهنا حتى لو كان كشتة..
في فعالية صحارى سيتي التي تأتي ضمن موسم الرياض لاحظت الكشتات ببساطتها كما كنا عليه.. البساط ذاته والشاي والقهوة ولكن من دون عوامل خارجية تعكر الكشتة.. الضوابط وجدت لتضع الأمور في نصابها.