الدخان المغشوش.. أنصفنا
التدخين لا يحتاج إلى تعريف بل إلى إقلاع.. أضراره أكثر من منافعه.. الكثير من المدخنين وجد فيه وسيلة للترفيه في بداياته.. بعضهم هرب من ضغوط معينة باستخدام الدخان.. تسأله لماذا دخنت؟ يجيبك: “ضايق صدري”.. من إجابته تستنتج أن التدخين موسع للشعب الهوائية ويقوم مقام “الفونتلين”، ومن الممكن أن تحصل عليه بوصفة طبية.. هو لا يدرك أن صدره لو كان له سلطة لرفض إدخال تلك الأنفاس..
لن أعيد وأزيد في أضرار التدخين فهو أمر محسوم، فلن يقلع المدخن مما أكتب، فالنصائح تعجز مع كثير من المدخنين للأسف.. حتى الطبيب بعد أن يفرغ من معالجة مرضاه الذين يعانون من أضرار التدخين ويكتب لهم “الروشتة” وينظر إليهم من فوق نظارته محذرًا إياهم من العودة إلى الدخان، يستغل وقت الراحة بإشعال “سيجارتين”.
ولكن ما جعلني أتطرق إلى هذا الموضوع، شكاوى المدخنين في الأيام الأخيرة مما أسموه الدخان المغشوش، أصواتهم وصلت إلى الترند، حتى بلغ الأمر في تدخل جهات ذات علاقة واستدعاء موردي التبغ من أجل معرفة حقيقة الدخان المغشوش..
لست من معشر المدخنين، ولكني أعتدت ألا أطلب من المدخن أن يطفئ سيجارته وهو بجانبي، “لأجل سيجارة تكرم مدينة”، في جلسة خاصة مع عدد قليل من الأصدقاء أحدنا عاشق للتدخين يشعرك بأنك تنظر إلى قطار أوروبي في الخمسينيات لكثرة الدخان.
في كل مرة يدخن فيها، أكثر الجالسين يصابون بالسعال، أمر طبيعي نتيجة التدخين السلبي، ناهيك عن تبديل الملابس بعد العودة إلى المنزل بسبب التصاق رائحة الدخان.
في يوم يدخل عاقد الحاجبين، ويتمتم بكلام لم نفهمه، ولكني ألتقط كلمة.. “حتى الدخان صار مغشوش”، ويولع سيجارة وبعدها يدخل في نوبة سعال، أول مرة يفعلها، ومع كل استنشاقه يصاحبها سعلة وهو غاضب.
ولكن المضحك في الموضوع نحن غير المدخنين لم نسعل ورائحة الدخان ابتعدت عن ملابسنا، “المغشوش” أنقذنا.. وأنصفنا.. هنا يكون العدل، المدخن هو من يتضرر وليس من بجانبه..
أختم مع فيلم الكيف.. ففي مشهد تاريخي تجلى الراحل محمود عبد العزيز في إقناع شقيقه يحيى الفخراني الذي صنع خلطة مكوناتها من الحنة والتبغ وباعها بأنها “دخان ممنوع”، وخشي من شكاوى المدمنين، فأجابه “المزاجنجي” شخصية محمود في الفيلم: وأقنعه عندما قال: “مين حيروح يبلغ ويقول لهم باعوني دخان ممنوع مغشوش”..
وزاد في إقناعه: “الغش هو تقديم السلعة الجيدة بصورة غير جيدة، ولكننا نقدم السلعة غير الجيدة وهي “الدخان الممنوع” في صورة جيدة وهو الحنة”..
الدخان ليس وسيلة ترفيه مطلقًا.. فـ”أوله دلع وآخره ولع”..