محمد عبده..
الاسم يكفي
في كل بلد يفاخرون بأساطيرهم في كافة المجالات، يتغنون بهم وبما حققوه من رفعة وإنجازات يعود صيتها في نهاية المطاف إلى أوطانهم، فهؤلاء يشكلون خير سفراء لبلادهم..
عربيًّا، يتباهى المصريون بأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وبين جبال لبنان لا يعلو صوت على فيروز، وفي الكويت عبد الكريم عبد القادر يغرد وحيدًا.. وفي كل دولة يبرز اسم من الوزن الثقيل، الخفيف على مسامع العشاق..
في السعودية، عندما يذكر الفنان الأول، فهنا لا تحتاج إلى أن تقول جملة “عطني وقت راح أفكر شوي”.. على الفور الإجابة: محمد عبده..
هناك بعضهم لا يطربون كثيرًا لفنان العرب، ويذهبون في آرائهم بأنهم يستمعون إلى فنان معين هو الأفضل بالنسبة لهم، ولكن عندما تسأله بصراحة عن أسطورة السعودية في الغناء فيجيب: “أبو نوره”..
ورغم اختلاف الأذواق إلا أن محمد عبده يظل الاسم الذي يتفق عليه الجميع من العقلاء في الوسط الفني بأنه أسطورة الغناء السعودي والفنان الأول، هذا الاتفاق المطلق عليه جاء نتيجة عمل استمر أكثر من 60 عامًا.. ليس رقمًا يكتب وينطق فقط.. بل سنوات من التعب والجهد أثمرت عن إنجاز..
عندما تفتش بين الممثلين السعوديين تحتار في اختيار الأسطورة، وكذلك في مجال كرة القدم، وأيضًا بقية الحقول.. ولكن في الفن.. محمد عبده يأتي أولاً ومن ثم يأتي بقية الفنانين، هو من ينطبق عليه فعلاً مقولة: “أبكى من قبله وأتعب من بعده”..
في الأغاني الوطنية حلقنا معه فوق السحاب، وحدثنا عن روابي نجد، والعيد لا يكتمل إلا بسماع “من العايدين”، وأشعل حماس المنتخب بملاحقته في “وين ما يروح الأخضر”، وفي الجنادرية حكايات سطرت على مدار سنوات طويلة.
قالوا بأنه لا يتقن فن السامري، فأحرجهم بأغانٍ يرددها كبار السن في نجد، “لا تقول إن البراقع”، وغيرها من الأعمال السامرية الخالدة، غنى لمسقط رأسه في المنطقة الجنوبية وتسلطن في مثل صبيا وظبي الجنوب، زاحم أهل اليمن في طربهم ومن يجرؤ على ذلك وتفوق عليهم بأغانٍ عدنية رنانة، ردد الكويتيون معه “ماكو فكه”، والإسكندرانيون تلذذوا في نطق “أيوه” على طريقته..
ذاق الأمرين.. طفولته بائسة.. المستقبل لا يراه.. المشقة كانت لعبته المفضلة.. الحزن صديقه اللدود.. كل ذلك لم يمنعه من أن يسير خلف طموحه مدركًا بأنه سيصل يومًا إلى طموحاته.. قصة كفاح يفترض أن تدرّس في المناهج.. العظماء يلدون من رحم المعاناة..
الاحتفاء بمحمد عبده لفتة رائعة من الهيئة العامة للترفيه، ويأتي تكريمًا لكل عاشق للفن الأصيل والطرب الخالد..