أرقام الموتى!
ـ يُتابعنا موتى!. يحدث هذا على شبكات التواصل. وفي هواتفنا تظل أرقام مسجّلة لراحلين!. نخجل من الحذف، نترك كل شيء مكانه. وأظن أن الأمر يتخطّى مسألة الخجل!.
ـ نُبقي على أسماء الراحلين في هواتفنا، وحساباتنا، لشعورنا بأن الحذف إنما هو نبذ!، وأن الإلغاء قطيعة!.
ـ ليس الخجل مردّ تردّدنا وامتناعنا رغم قوّة حضوره، لكنه الوهم أيضًا، ذلك الوهم الخفيف الضعيف الذي نستدعيه ونقوّيه أملًا في أن يقوّينا بعدم تصديق حكاية الموت والرحيل!.
ـ على السطح يبدو شعورنا بالخطيئة مانعًا!. نشعر بأن وجودهم في أجهزتنا وحساباتنا نوع من ردّ جميل ما!. ندري أو لا ندري ما هو، لكننا نشعر بأن لهم في أعناقنا جميل اهتمامهم بنا في حياتهم!.
ـ لقد أنفقوا جزءًا من وقتهم لنا، وهم الآن فقراء إلى مثل هذا الوقت!. نُنكر بسبب مهابة الفراق والموت، حقيقة داخليّة فينا، نقمعها حتى قبل أن تظهر!، هي ذلك الشعور بأننا وعن طريق إبقائهم، وكأننا نرد لهم شيئًا مما أعطونا إيّاه!.
ـ نكره هذا الإحساس بالكرم الحتمي اللا حاتمي!. ونُنكر، بشدّة أخلاقيّة، شعورنا بالإحسان عليهم!. أولًا لأننا ندري أنه وهم وخداع، وثانيًا لأننا نستحي من أنفسنا ومنهم، خاصةً وأنّهم كانوا أقوياء وكرماء جدًّا معنا!.
ـ رحلوا وهم أقوياء، ولو كانوا يدرون أننا في يوم من الأيام سنبقيهم شفقةً وإحسانًا، لهجرونا في حياتهم!.
ـ نعم، نحن نتخيّل اللحظة التي يمكن لهم احتقارنا فيها، فيما لو تحدّثنا مع أنفسنا بمثل هذا الحديث المُسمّم!. خاصةً مع شعورنا بأن كل من فارق الحياة، صار قادرًا على سماع حديث الإنسان لنفسه!.
ـ أتفهّم أمر الصورة، والفيديو، وكذلك الرسائل المتبادلة. كل هذه الأمور يمكنها البقاء فاعلة، وتتطوّر وتتعمّق برؤيتنا لها، ممّا يبقي أثرًا طيّبًا. وهي أمور وإن لم، ولن، تتمكّن من هزيمة الموت، لكنها، حقيقةً لا وهمًا، يُمكنها هزيمة الرحيل والبُعد والفراق!.
ـ أمّا رقم الهاتف، والإبقاء على متابعة الحساب، فهي وهم وحيلة خائبة، إننا نتعامل مع أزرار وأرقام جامدة، انتهت علاقتها بأصحابها تمامًا!. بالرغم من ذلك نُبقيها، فإن تجاسر أحدنا بحذفها، ارتعشت يده، وتصبّب عرقًا!.