مزاج!
- في الآخِرَة يدخل الإنسان إمّا الجنّة وإمّا النار، أمّا في الدنيا فإن الإنسان يُدخلهما في صدره كل يوم، وربما أكثر من مرّة في اليوم الواحد!.
- هل سبق لأحدنا أن تصدّق بريال واحد على فقير ثم لم يستشعر جنّةً صغيرة في صدره؟!. هل سبق لأحدنا أن تبسّم أو تلطّف بنيّة الصّدقة ثم تحسّر؟! لا أظن أن مثل ذلك ممكن الحدوث في غير استثناءات لا يمكن لنشازها التشويش على معزوفة البهجة التي تسكن صدره، وهي قليلة بحيث لا يمكن لها خدش حصاة واحدة من القاعدة!.
- كثيرًا ما نمرّ بهذه الحالة: الشعور بأننا في مزاج سيّئ. ولا أتحدث عن ذلك المزاج الذي يعقب أو يترافق مع هَمّ واضح ويحضر نتيجة لمشكلة محدّدة، لكني أتحدث عن ذلك المزاج الذي يسكننا دون سبب واضح أو معلوم!.
- مثل هذا المزاج ليس إلا جهنم صغيرة تحرقنا من الداخل، وربما شعرنا بعذاب مضاعف لعدم معرفتنا سبب هذا الكدر!.
- نرتبك، ويخاف بعضنا من نفسه: ما الذي حدث؟! أم أن هذه هي طبيعتي؟! وكلّما فكّر أكثر ازداد قلقه، خاصةً حين تكون كل أوضاعه، وبشهادته وبشهادة نفسه عليه، طيّبة وآمنة ومستوفية لشروط السعادة!.
- لحلّ مثل هذه الإشكالية، والتخلّص منها، أظن أنّ علينا التفكير بمعنى “مزاج”!. الأمر لا يحتاج أكثر من دقيقة: مزاج مُشتقة من “مَزْج”!. ومن هنا نبدأ!.
- حين لا يكون مزاجي طيّبًا، فلأن “مزجي” لم يكن طيّبًا!. بمعنى أنني، وعلى مدى يوم أو يومين أو ثلاثة، لا بدّ وأنني تصرّفت على نحو غير طيّب مع، وتجاه، مجموعة من الأمور الصغيرة جدًّا، أمور تبدو عابرة، ولا يمكن لأي منها على حدة أن يتسبب في تعكير صفوي وانقلاب مزاجي ضدّي!.
- ما حدث هو أنّ هذه الأمور، والأشياء، الصغيرة، تكدّست فوق بعضها بعضًا!. تجاذبتْ وتلاحمَتْ وشكّلَتْ كُرة كبيرة من الغمّ في، وعلى، صدري!. غَمّ بلا وجه محدد ولا أقدر على رفع سبّابتي تجاهه لأنه بلا وجهة محدّدة!.
- مزاجنا هو مزجنا يا أحبة. ونحن نعيش في الدّنيا ملمحًا ممّا سنكون عليه في الآخرة!. ملمحًا دنيويًّا لا يرقى لما ينتظرنا بعد الموت، لكنه آية دالّة عليه، حيث ما وزنه مثقال ذرّة من شرّ أو من خير، يمكن له أن يكون أكبر وأثقل من جبل: “وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ”.