نطنطة
نحن نشتاق لطفولتنا لأسباب عدة، منها أن الطفل لا يحمل مسؤولية الرجل المسؤول عن أسرته، وأن الأجواء الأسرية التي يعيشها تكون مع كل إخوته في بيت واحد، لكنني أظن أن السبب الرئيس لاشتياقنا للطفولة، أننا كنا نستطيع أن “ننطنط” متى ما أردنا ذلك، وفي أي مكان، فمن يلوم طفلًا قرَّر أن يقفز وهو يمشي في الطريق نحو المدرسة، أو المنزل، أو خلال وجوده في المكتبة، أو في أي مكان قرَّر أن “ينطنط” فيه؟
وتكاد تكون “النطنطة” أبرز ما فقدناه نحن الذين كبرنا عندما أُجبِرنا على أن نتحفَّظ أثناء سيرنا وجلوسنا وحديثنا، أن نبدو ولو تمثيلًا بمظهر وقور، بينما لدى الطفل كامل الحرية في العيش بعفوية وبساطة أكثر. أن يكون أصدَق.
أنا كمثال، أشتاق أحيانًا إلى أن أقفز وأنا أسير في الشارع إذا ما سمعت خبرًا سعيدًا، أو شعرت بالنشاط، لكنني لا أقفز كما يفعل الأطفال. سيقال إنني مجنون، أو مستهتر، أو لا أحترم السلوك العام، مع أنني لن أسبِّب الضرر لأي شخص من المارَّة، ولن أتفوَّه بكلمة! لكنني كما ذكرت لكم، سأتَّهم بصفة غير جيدة! المكان الوحيد الذي سُمِحَ لنا أن نقفز فيه نحن الكبار، هو في الملاعب الرياضية عندما يسجل فريقنا هدفًا، وقد لا نقفز في الملعب أيضًا إذا كنا نشجع فريقًا في أسفل الترتيب ولا يسجل مهاجموه أي أهداف!
قبل مدة حققت فتاة شابة أُمنية جدتها، وكانت بأن تقرع الجدة باب منزل من المنازل، ثم يهربان معًا، وهو ما كانت تفعله في طفولتها. حققت الجدة أمنيتها، وراحت تركض هاربةً بينما الفتاة الشابة تلحق بها، وتحاول أن تلتقط أنفاسها من شدة الضحك. عندما شاهدت الفيديو، أدركت أن الجدة اشتاقت إلى حرية الطفولة التي كانت تتمتع بها في صغرها، فمَن سيشتكي على طفلة صغيرة قرعت الباب ثم هربت؟
بالأمس قرأت أن الممثل صلاح عبد الله يقول إنه مشتاق للمسرح، لأنه بحسب كلامه، كان “ينطنط” ويرقص على خشبته. لاحظوا أن صلاح لم يقل إنه مشتاق لجمهور المسرح، بل إلى “النطنطة”. صلاح في حقيقته يحنُّ إلى حرية طفولته، وكان يجدها على خشبة المسرح. هل تساءلتم يومًا لماذا نعيش بعفوية أكثر في رحلاتنا البرية؟ لأننا نركض ونقفز وننام فوق التراب بكل حرية، وهو ما كنا نفعله في طفولتنا. نحن نحب الأماكن التي تمنحنا الحرية، تمامًا مثل حرية الطفولة.