2021-01-11 | 02:02 مقالات

لكنه طمّاع!

مشاركة الخبر      

قبل ثلاثة أيام شعرت بتعب كبير جراء تحسُّس في الصدر، ومع أنني قاومت نداءات، بدأها جسدي منذ أكثر من أسبوع طلبًا للراحة، لكنني وجدت نفسي مستسلمًا بعد أن خارت قواي، فتمدَّدت على السرير. في رحلة الأيام الثلاثة الماضية تغيَّرت كل أفكاري، وصار في نظري ما كنت أسعى إليه قبل تلك الأيام مجرد أشياء هامشية، وبحث عما لا ينتهي، وأنني أرهقت جسدي في سبيل ما هو أقل قيمة من صحة الإنسان.
تذكَّرت وأنا أحاول سحب الهواء إلى صدري كيف أنني قضيت وقتًا طويلًا بعيدًا عن البيت وعن أبنائي الأطفال، ومع الشعور بالوهن دخلت عالم التساؤل عن حقيقة ما أنا فيه، هل هو وعكة طارئة، أم أنه مقدمة للطريق نحو العالم الآخر، فتدخَّل الخوف، واختار الخيار الثاني. وجدت نفسي بين تسليم وأمل، أما التسليم فلأنني لا أستطيع تغيير حقيقة ما أنا فيه، أو ما اعتقدت أنه حقيقة، بينما تمسَّكت بالأمل، لأنه ما زال لدي من الحنان والعاطفة ما لم أستطع إيصاله لغاية الآن لأسرتي وأصدقائي. شعرت بأن الزمن مر سريعًا، وأنني أضعت الكثير من الوقت على أهداف، ترتيبها يأتي في المراتب الثانية والثالثة، بينما أهملت في أوقات كثيرة ما هو ترتيبه في المركز الأول، الأسرة والصحة والأحبة، هكذا رتبتها حينها. بعد يومين من ضيق التنفس والشعور بالضعف العام، بدأ الهواء يأخذ مساحةً أكبر في صدري، وبدأت القوة تطرد أجزاء من الضعف، وتأخذ مساحاته. عرفت وسألت الله أن يكون ما عرفته صحيحًا بأنني في طريقي نحو الشفاء. في الليلة الثالثة نمت طويلًا كما لم أنم منذ أشهر، وحينما صحوت، وأنا أشعر بأنني استعدت معظم عافيتي، كانت شهيتي مفتوحةً للأكل، ورغبتي لاستنشاق الهواء الخارجي كبيرة. بعد ساعات بدأت أتصل بكل مَن كانت لدي معهم أعمال، وحدَّدت مواعيد جديدة طوال الأسبوع المقبل. قدت سيارتي، ونظرت إلى وجهي في المرآة، كان واضحًا بأنه خارج للتو من وعكة صحية. سمعت صوت منبه السرعة بعد أن تجاوزت سرعة 120 في الساعة. خففت من السرعة، خففتها أكثر، نظرت للمرآة مرة أخرى، تذكرت أيامي الثلاثة الماضية، الساعات التي عزَّ فيها عليَّ الهواء، عجزي وأنا أحاول النهوض، وما دار من أحاديث بيني وبين نفسي. خففت السرعة أكثر، شاهدت تحويلة أمامي، توقفت، وأطفأت محرك السيارة، نظرت في المرآة، كان الماثل أمامي يعرف الكثير من الحقيقة، مصادر السعادة، الشعور بالطمأنينة، لكنه طمَّاع!