طاولة
شعرت بالحزن تجاهه وهو يتحدث متذمراً من عدم إنصافه، وسوء تقديرهم لجهده، متناسياً سوء أدائه، وعدم تقديمه لما يستحق الإعجاب، لكنه لا يرى ذلك بسبب استعجاله في الإنجاز.
إذا كانت آفة العلم النسيان، فإن آفة الإنجاز الاستعجال، نستعجل متحمسين أو راغبين بالوصول لما نريد بأسرع صورة، ثم نتساءل عن أسباب عدم قبول منتجنا، وقد نلوم كل الكائنات لكننا لا نلوم أنفسنا، نستعجل في قطف نتيجة تربيتنا لأبنائنا متناسين أنهم مازالوا أطفالاً وصبية، ونستعجل في الحصول على المردود الكبير لأي مشروع كان، غافلين أن المردود الكبير يقابله جهد كبير وزمن طويل.. قبل نحو سنتين أردت تفصيل طاولة بمواصفات خاصة، بحثت عن النجار المناسب تكلفة ووقتاً، كل من زرتهم لم تعجبني أعمالهم عدا نجار واحد، لكنه طلب أضعاف الوقت والتكلفة التي طلبها زملاؤه، تفاجأت من المدة الطويلة التي اعتبرتها طويلة، لكنني وأمام منتجاته الرائعة وجدت نفسي أوافق ودون تردد، رضيت أن أصبر 60 يوماً وأن أدفع ما يساوي حجم كنبة كبيرة مقابل طاولة قياسها 60 في 60 سنتيمترًا، ثم أثناء تنفيذه لعمله فهمت لماذا طلب كل هذا الوقت والمال من أجل طاولة صغيرة جداً، بدأ بمعرفة أسباب رغبتي بتفصيل الطاولة، وكيف سأستخدمها، وهل سأقوم بنقلها في أماكن مختلفة، وماذا سأحتاج إذا ما كنت سأكتب عليها، وما هي طريقة جلوسي المفضلة، وحجم الكرسي الذي سأجلس عليه، والألوان التي أفضّلها، ثم قام بعمل “بروفة” على خشب عادي، ثم دوّن كل الملاحظات على الطاولة التجريبية، وبعد أن تأكد من كل شيء بدأ بالعمل على الخشب الذي اعتمدته والإكسسوارات التي اخترتها، لتظهر النتيجة في المقابل رائعة بالنسبة لي ومجدية ماديًّا بالنسبة له، كانت طريقة عمله درساً مهنياً مهماً، في كيفة إعطاء كل ذي حق حقه، لأنه أعطى التفاصيل حقها من الاهتمام والوقت، وكان في ذلك يعطي مهنيته حقها أيضاً، ويواصل صناعة سمعته والمحافظة عليها.
لا عليك من العدد، بل بالكيف، لأنه هو من سينصفك، أما الأعداد وإن كانت كثيرة لكنها ضعيفة فستبقيك ضعيفاً، الناس لن تتحدث عن الوقت الذي استغرقه عملك، لا يهمها ذلك، لكنها تهتم بالنتيجة التي انتهيت عليها فيما قدمته، يحتاج تطبيق ذلك إلى ثقة كبيرة في النفس، وكثير من الجهد، والعمل للنجاح والمتعة.