2021-02-26 | 22:49 مقالات

العاطفة والحقيقة

مشاركة الخبر      

يشتاق الإنسان إلى فترة زمنية من حياته، خصوصاً تلك التي لم يحمل فيها أي مسؤوليات، أو التي نسي مسؤولياتها، ولأن المشتاق في حالة حب، فقد لا يشعر في مبالغاته عند الوصف، تماماً مثلما يفعل العاشق حينما يصف حبيبته، لذلك نجد أن هذا المشتاق يعظّم من كل شيء ينتمي إلى الفترة التي اشتاق إليها.
وعلى سبيل المثال نجد أن بعض أبناء جيل الثمانينيات يصفون سيارات تلك الفترة بأنها الأفضل على مستوى المتانة والفخامة، متناسين أن سيارات الثمانينيات تعتبر شبه متخلفة تقنياً قياساً بسيارات اليوم الذكية، خصوصاً الحديثة منها، وقد شاهدت عدة سيارات تركن نفسها بنفسها، وتسير مسافات طويلة دون تدخل من السائق، بالإضافة للخرائط وكل وسائل الترفيه وارتفاع نسبة الأمان، بالأمس كنت أتحدث مع أحد الملحنين الذين كان لهم حضور فني قوي في التسعينيات الميلادية، بعد دقائق من أحاديثنا الفنية وجدته يقول بما معناه أن زمن الأغنية الجميل توقف عند أغنية التسعينيات، وإن ما قُدم منذ 20 عاماً لا يصل لمستوى أغنية التسعينيات، متناسياً أن الأصوات الجميلة التي ظهرت منذ 20 عاماً بالعشرات، كان من ضمنها شيرين وفضل شاكر وهي أصوات ذهبية على سبيل المثال لا الحصر، كما أن تقنية التسجيل الموسيقي ونقاوة الصوت تطورا بشكل لا يقارن نهائياً مع أغنية التسعينيات، بالإضافة إلى سهولة وصول الأغنية للمستمع عبر الوسائل الإعلامية المتعددة، حتى على مستوى التعليم، مازلت أستمع إلى تمجيد بعضهم لقوة المعلّم وهيبته في جيل السبعينيات والثمانينيات عندما كان ضرب الطلاب أمراً عادياً وكأنه من يوميات المدرسة، في الوقت الذي كان فيه بعض الطلبة يتسربون من المدرسة بسبب قسوة بعض المعلمين، وطريقة التعليم التي تعتمد على الحفظ، غافلين أن التعليم اليوم يعتمد على الفهم والطرق الأكثر تطوراً، كما أن تعلم اللغة الإنجليزية والتحدث بها بطلاقة صار أمراً عادياً، حتى على الصعيد الإعلامي، أتذكر تلك الجلسة التي جمعتني قبل مدة ببعض الأصدقاء الصحفيين، راحوا يتحدثون عن قوة الصحافة في الثمانينيات والتسعينيات، وهي الفترة التي شهدت انطلاقتهم الصحفية، كان واضحاً أنهم مشتاقون عاطفياً لتلك الأيام، متغافلين عن عالم الإنترنت، ولا أظنهم سيقبلون لو أنني أعدتهم لتقنية الثمانينيات والتسعينيات عندما كان جهاز الفاكس هو الوسيلة الحديثة والساحرة، بينما تستطيع اليوم أن تفتح اتصالاً مرئياً عبر هاتفك مع من تشاء ومن أي مكان وبالمجّان، وهذا ما لم يكن متوفراً إلا للقنوات التلفزيونية وتدفع مقابله آلاف الدولارات، العاطفة تلغي الحقيقة أحياناً.