2021-03-05 | 23:06 مقالات

سيرة ذاتية

مشاركة الخبر      

مكتبتي صغيرة لكنني أراها كبيرة، لأن فيها كتب سير ذاتية لعشرات الشخصيات، كل شخصية لها احترامها وتقديرها، لكن لبعض الشخصيات محبة أكبر لأنهم كتبوا سيرة حياتهم المليئة بالمواقف والأحداث بصورة ممتعة، وهذا ما قربني منهم وجعلني أرى كتبهم كأشخاص حقيقيين يتواجدون معي في صالون البيت.
حافظت على بقائهم وطاردت كل صديق استعار مني كتاباً ولم يعده، ولم أنهِ مطاردتي حتى استعدت صاحبي وأعدته إلى مكانه، أعدت كتاب “دولة الإذاعة” لإبراهيم الزبيدي بعد ثلاث سنوات تكاسل فيها صديقي من إرجاعه لي، تطوعت لكي أغوص في مخزن بيته الممتلئ بالمواد الغذائية وشنط الملابس القديمة، وعندما عثرت عليه بدت علي ملامح الفرح والنشوة، بينما كان صديقي ينظر نحوي نظرة شفقة قائلاً: “فيه عندي كتب إذا تبي”.. لم يدرك صديقي بأنني لا أحرص على جمع الكتب، بل على الكتب التي تجمعني، عن السير الشخصية التي تفضل أصحابها بكتابتها لأنها نافعة نفعاً فعلياً وصادقة لأنها متجردة، أحببت قراءة السير الذاتية أكثر من أي قراءات أخرى، مع كامل محبتي للروايات التي قرأتها وأحببتها وبقيت صورها وبعض سطورها في مخيلتي.
للسير الذاتية عندي متعة خاصة، خصوصاً تلك التي يكتبها أصحابها بتلقائية وبصراحة كاملة، هذه الصراحة وإن كانت تبدو لبعض القراء أنها قد تقلل من مكانة صاحب السيرة لشدة وضوحها، إلا أنها هي من تضيف القيمة للسيرة الذاتية وتصنع ما يشبه الصداقة والعلاقة الشخصية الودية بين الكاتب والقارئ . عندما أقرأ “حياة في الإدارة” لغازي القصيبي رحمه الله أشعر بأنني أجلس معه دون أن يقاطع حديثنا أحد، وكأنه قد تفرغ ليروي لي عن حياته العملية، وعندما قرأت “طشاري” لأنعام كجه جي وكأنها أرادت أن تصوّر لي كيف كان العراق خلال 60 عاماً وماذا حل به رغم أن أبطال السيرة أفراد أسرتها، أما مذكرات سيمون دو بو فوار “مذكرات حياة ملتزمة”، فمليئة بالقصص المثيرة عن حياة أديبة جريئة تهوى لعب القمار، وتعرفك على أصحابها المشاهير وكأنها تصحبك في لقاءاتها معهم.
لا أعدد هنا كتب السير التي أعجبتني، بل أود ألا يفوت أحد فرصة الجلوس مع أصحاب التجارب الثمينة في الحياة، كل ذلك بمجرد فتح صفحات حياتهم والاستماع إليهم. رددت مع نفسي كثيراً بعد كل لقاء ممل ومتعب جمعني ببعض الأشخاص: “لو قاعد مع غازي القصيبي مو كان أحسن لك”؟