2021-03-07 | 00:12 مقالات

مبدعون.. ولكن!

مشاركة الخبر      

لولا الخجل لنصحت بعض الأشخاص الذين التقيتهم في طريق الحياة بالكتابة للكوميديا أو الدراما، كانوا يكذبون بدرجة إما مضحكة جداً تصلح لأن تكون مواقف في حلقة كوميدية، أو بدرجة فائقة تصلح لأن تكون مواقف في مسلسل درامي أو قصصاً لأفلام.
لكنني لم أنصحهم لأن نصيحتي ستعتبر كشفاً لكذبهم. قال أحدهم بعد وصف مهاراته الكروية في شبابه، بإنه يحب قريته كثيراً ولا يصبر على فراقها، حتى إنه رفض عرض نادي النصر عندما أصيب فهد الهريفي، وبقي ماجد عند مرمى الخصوم لا يفعل شيئاً، لأن لا كرات تمرر إليه، ولكي يضفي بعض التأثير حاول أن يضيف لمسات شاعرية فنظر نحونا وقال: أنتم لا تعرفون علاقة الإنسان المولود في القرية مع قريته، لأن كل ما هنالك هم أصدقاؤه، الشجر والحجر والرمال، جميعهم أعز أصدقائه، أنتم لا تدركون معنى هذه المشاعر لأنكم ولدتم في مستشفيات المدن وطفولتكم مرتبطة بالبقالات. أحد من تعرفت عليهم كان مؤدياً رائعاً عندما يكذب، لأن كذبه كان واقعياً ومن دون مبالغات كبيرة، كما أن قصصه التي يختلقها كانت دائماً إنسانية ولا يوجد ما يمنع العقل من تصديقها، مضيفاً إليها وصف الأماكن أو بعض المعلومات ليعطي مصداقية على ما يقوله، كانت قصصه تنتهي عادة بمواقفه البطولية، ولا ينسى أن يدس قصة من بين عدة قصص لكي يلوم نفسه أمامنا على تردده أو تخاذله في التصرف أمام موقف يتطلب أن يكون فيه شجاعاً أو كريماً، منتظراً منا أن “نطبطب” عليه ونذكّره بمواقفه البطولية السابقة، لكن مشكلته أنه كان كثير الكلام وكثير القصص، وهذا ما كان يكشفه أو يشكك فيه على الأقل، كان موهوباً ولو أنه كتب للدراما لصار كاتباً جيداً، ولن يكون حينها كاذباً، بل موهوب لأن خياله واسع. من قصصه التي أتذكرها، عندما انتصر في ذلك الليل الداكن لجارته الإنجليزية العجوز، حاول لصان سرقة شنطتها عند بوابة العمارة، قال بإنه ودون إدراك منه وجد نفسه يوجه لكماته نحو اللصين ويسقطهما أرضاً، ثم وقفا وهربا وهم يلعنانه، أعاد الشنطة للعجوز التي شكرته وتوجهت إلى مركز الشرطة، بعد ساعة طرق أفراد الشرطة باب صاحبنا وشكروه وطلبوا منه أن يحضر معهم لكي يكرموه بصورة رسمية، لكنه رفض، وعندما سألناه عن سبب رفضه قال بإن تكريمه سيكشف شخصيته للصوص وقد يكونان ضمن تشكيل عصابي وقد يقومون بالانتقام منه، لحظة.. الآن يا أعزائي وأنا أكتب أسمع في عقلي صوتًا داخليًّا يسألني: ماذا لو أن أحد القراء يشك في ما كتبته، وبأنك أنت أيضاً اختلقت هذه القصص لكي تكتب هذا العمود؟