2021-04-02 | 23:26 مقالات

الحل في أعماقك

مشاركة الخبر      

كنت ممتلئًا بالفراغ. ذهبت إلى المقهى وجلست وحيدًا نصف ساعة، ثم وجدت نفسي أخرج إلى البقالة القريبة، وأطلب من البائع علبة سجائر. سألني وهو يشير نحو العلب: أي نوع سجائر تريد؟ لم أكن أعرف أنواعها، أشرت بيدي نحو واحدة منها. دفعت له، وأشعلت أول سيجارة في حياتي.
أنا مليء بالأخطاء التي ارتكبتها في مشوار العمر. كان بعضها حماقةً، وبعضها نقصًا في الخبرة، وبعضها استعجال شباب. ندمت على بعضها، ثم تجاوزتها جميعًا، ولم تنل مني كثيرًا في أعماقي. لم يكن عندي حلٌّ آخر، أو هكذا وجدت نفسي متجاوزًا، ومنشغلًا بما هو قادم، ولكن.. لو استطعت أن أعيد الزمن لتعديل أخطائي لما عدت إلا لذاك المساء الذي أشعلت فيه السيجارة الأولى لأغيِّر من أحداثه، لأركض بدلًا من أن أدخن، أو أنام، أو أفعل أي شيء آخر، ولا أشعل تلك السيجارة اللعينة.
لو قلت لك عزيزي المدخن: توقف عن التدخين لأنه مضرُّ. لأخطأت في حقك، لأنني أعرف أنك تعرف ضرره، لكنك مستمرٌّ، ولأنه إدمان مرتبط بالجسد والعادات اليومية، وقد تكون إنسانًا قويًّا في كل شيء، لكنك تضعف أثناء محاولاتك الإقلاع عنه. ما الحل يا صديقي؟ ما الحل ونحن نرى غيرنا يتساقطون..؟ ما الحل ونحن نعلم أن الضرر يتصاعد مع الوقت؟ المؤلم أنه لا يستحق الموت من أجله، ولا يستحق أن يبقى الجسد متعبًا في سبيله. قبل ثلاثة أعوام وأثناء تصويرنا أمسية غنائية، غنَّى فيها فنان شعبي كبير أجمل أغانيه، وأثناء توقفنا للاستراحة، أشعل سيجارته، فطلب منه أحد الموسيقيين الشباب سيجارة، فقال له الفنان بلهجته المميزة: “الزقاير كثيرة عندي لكن ما راح أعطيك.. لأنها تجدع من عمرك عشر سنين إذا استمريت فيها”. آمل أن يكون الشاب قد توقف عن التدخين، وسمع نصيحة فناننا الذي رحل بعد أن “جدعت” السجائر سنوات من عمره، لأنه رحل بسبب من أسبابها.
ليس عندي حلٌّ محدد وواضح للتوقف عنه. جربت مرات عدة، نجحت مدة، وضعفت مدة أخرى، لكنني أدرك أن كل مدخن لديه حلٌّ ما، يستطيع أن يستخرجه من أعماقه هو وحده، مثلما فعل الذين أقلعوا عنه إلى الأبد، حلٌّ فيه من القوة ما يجعل من الإدمان والعادات اليومية حجارة صغيرة جدًّا أمام سيله الكبير.