صناعة المستقبل
بالأمس وأنا أشاهد لقاءً مع الاقتصادي طلال أبو غزالة سمعته يقول: أفضل طريقة في التنبؤ للمستقبل هي صناعته. ما أعجبني في المقولة أنها تصلح للأفراد، ويمكن تطبيقها إذا ما نفذنا مستقبل أنفسنا بأنفسنا، وقد نستطيع أن نستشف الآن إجابة عن مستقبل كل واحد منا إذا ما طرحنا السؤال التالي: ما الذي تفعله حالياً؟ إذا كانت الإجابة لا شيء فإن الإجابة عن مستقبلك غالباً هي لاشيء، إما إذا كان الواحد منا يفعل شيئاً فغالباً أن مستقبله يدور حول الشيء الذي يفعله الآن.
لكي أقرب الأمر أكثر سأضرب عدة أمثلة بأشكال مختلفة، إذا كنت تدخن السجائر اليوم فإن مستقبلك صحياً غالباً سيكون سيئاً، وإن كنت رياضياً فغالباً أن مستقبلك الصحي جيداً، وإن كنت لا تدخر شيئاً من مدخولك المالي فغالباً أن مستقبل اقتصادك الشخصي لن يكون جيداً، أما إن كنت العكس فالأقرب أن وضعك المادي سيكون مستقراً، قد لا تضيف كلماتي شيئاً لكل الذين يستطيعون أن يروا مستقبلهم لأنهم يسيرون بخطوات محسوبة ومنتظمة، لكنها تنفع لكل الذين يرون الضبابية عندما يتساءلون عن مستقبلهم القريب أو البعيد.
هناك في مجتمعنا وفي كل مجتمعات العالم أيضاً نماذج ناجحة لأفراد كانت عندهم هذه الضبابية، لكنهم بدأوا في إزاحتها عندما أرادوا أن يتنبؤوا بمستقبلهم من خلال صناعته، أن تبدأ الآن في إكمال دراستك مهما كان عدد السنوات التي أضعتها، أو في إطلاق مشروعك مهما كان صغيراً جداً، أو في أي عمل تستطيع القيام به لكنك أجلته طويلاً رغم معرفتك بنفعه، أن تعرف بأنك لا تصنع مستقبلك وأن عليك صناعته هي أيضاً خطوة أولى.
كلما سنحت لي الفرصة في التحدث مع زميلي القديم بادرته بالقول بأنني معجب به، لأنني أتذكر دائماً بأنه كان دائماً يعرف مايريد، كان يوفر جزءًا من راتبه بصورة ثابتة لأنه كان يريد أن يشتري شقة عندما يتزوج، قاوم من أجل التوفير وتحمل كل الكلمات التي وصفته ظلماً بالبخل، كان يعمل ويدرس في الجامعة لأنه كان يريد أن يتخصص في مجال غير الذي كنا نعمل فيه سوية، كان واثقاً مما يفعله ويعرف ما سيكون عليه، ما الذي حدث؟ بعد سنوات حصل على كل ما تعب وتحمّل من أجله، لأنه كان يصنع مستقبله. من الجيد أن فرصة إكمال التعليم موجودة للذين مازالوا على استعداد لدفع ثمنها، ومن الجيد أن المعرفة في أي مجال متاحة لمن يريد أن يتوجه إليه، لست ممن يؤمنون بأن القطار قد فات ومضى، لأن القطار دائماً يتوقف عند المحطات، علينا أن نتوجه إلى المحطة لنستقل قطارنا.