2021-05-13 | 02:50 مقالات

محطة حب

مشاركة الخبر      

كل عام وأنتم بخير، فضل من الله أن نكون من الذين عاد العيد عليهم ونحن في خير وصحة وأمن، والعيد دائماً فرصة حقيقية للتفكر وإعادة الحسابات في أسباب الابتعاد عن بعض الأحبة أو الأصدقاء والزملاء.
العيد مناسبة فعليّة لترقيق القلوب وإزاحة الموانع عمّن امتنعنا عنهم طوال عام أو أقل أو أكثر، بسبب خلاف قد لا نعرف كل جوانبه، وإن عرفنا فإن المسامحة أفضل وأكرم، قد لا تعود بعض العلاقات إلى مثل ما كانت عليه، ولكن عودة شيء منها أفضل من لا شيء، على الأقل أن يترك الإنسان مجالاً للمصافحة والسلام والابتسامة والتمنيات بالخير.
من عبقرية المتسامحين وفلسفتهم أنهم يسامحون من أجل أنفسهم أولاً، لكي يثبتوا لأعماقهم مدى نبلهم وسمو نفسهم، وأن ما يشغلهم هو أبعد من التمحور في خلافات شخصية لا نفع من استمرارها، بل الاستمرار في الحياة وهم يحملون روحاً رشيقة غير مثقلة بخلافات شخصية لا نفع من استمرارها، لم أرَ في حياتي قوة أكثر من تلك التي لدى المتسامحين، ولم أرَ أكثر شجاعة ممن يعفون، ولا أشك بأنهم الأكثر كرماً، وشخصياً صرت أحرص على مرافقة من لديهم مثل هذه الصفات، لأن من تكون هذه صفاته سيكون أفضل الأصدقاء، أعلم بأن بعض الجروح قد تكون كبيرة، لكنها لن تكون أكبر مما فعله إخوة يوسف في أخيهم يوسف، سامحهم ودعا لهم.
تبقى الحياة رحلة تتخلها الأخطاء والخلافات، لكن هناك دائماً محطات لإصلاح مثل هذه الخلافات، وعلى الإنسان أن ينتبه لمثل هذه المحطات، وما العيد إلا واحدة منها، ومن الواضح والمؤكد أن التسامح والعفو هما أفضل إصلاح والأكثر نفعاً ومردوداً، قبل مدة كنت وأحد الأصدقاء نتحدث عن أحدهم بالخير، ولا أتذكر من منا طرح السؤال التالي: ما هي أسباب محبة الناس لهذا الشخص؟ وبعد استرجاع لبعض سنوات مسيرته وجدنا أنه بلا خلافات، ليس لأنه لم يختلف مع أحدهم في يوم ما، بل لأنه كان متسامحاً، وبذلك استطاع أن يكسب محبة واحترام الناس له، وحوّل وقته في أن يريهم أجمل ما لديه من أخلاق لا أشد ما عنده من انتقام، لا يستطيع أي إنسان أن يكسب سمعة محترمة دون أن يقدم مقابلاً لها، ابتداءً من أخلاقه العالية وصدقة واحترامه للآخرين، ومروراً شرطيّاً بالمسامحة والعفو، وصولاً إلى الصبر وتحمل أخطاء الآخرين، هذا ما عرفته من ثمن كريم قدمه من أحبهم ويشترك الناس معي في محبتهم، لكنه ثمن يرفع الشأن ويريح الضمير ويكسب القلوب، قد تصل رسالتي إلى أحدكم، ويتذكر أحد الوجوه ممن تقاسم معه يوماً أوقاتاً حلوة، ويتذكر أن العيد محطة يتزود فيها الإنسان بالحب والمسامحة والعفو، كتبت هذه الكلمات وتذكرت نفسي، اليوم وفي أول أيام العيد سأتصل بمن منعت نفسي عن الحديث معه، ومهما كان السبب، عليّ دفع ثمن المسامحة، وأكسب الحب.