500 كوب
من الشاي
مقال اليوم عن خبر نشرته الصحافة العالمية، وأذهب بكم إلى بلاد التانجو التي أحببتها منذ أن رأيت دييجو مارادونا للمرة الأولى وهو يصنع مفهومًا جديدًا عن كرة القدم: “المهارة الفائقة تتفوق على الماكينة، وعلى الكرة الشاملة، وكل ما سبق من خطط وطرق في عالم الكرة، بل وتتفوق على مَن وضعوا قوانين الكرة”.
كان حبي لمارادونا إعلان حبٍّ للأرجنتين، التي لم أعرف عنها أكثر مما عرفت عن مارادونا، وصارت أخبار الأرجنتين السعيدة تسعدني، وأحزانها تحزنني. هذا تأثير الحب وما يفعله سحر كرة القدم، وهذا ما يُكسبها أهميتها الكبرى حول العالم، وإن كانت مجرد لعبة، فقد أثبت تاريخ كرة القدم أنها أكثر من لعبة، فلا يمكن للألعاب أن تفعل بالبشر مثلما تفعله كرة القدم. قبل أيام توفي البريطاني ويليام بيل شكسبير، وهو أول بريطاني يتلقى لقاح فايزر، وكونه أول مَن يأخذ اللقاح فقد صار مشهورًا، خاصةً أن الأطباء كانوا يتابعون حالته الصحية بعد تلقيه اللقاح الأول، وعندما توفي، نقلت وكالات الأنباء خبر وفاته. في الأرجنتين، أذاعت قناة تلفزيونية خبر وفاة شكسبير، لكن ما حصل أن مذيعة الأخبار الجميلة، حاولت أن تظهر بوصفها مثقفةً وقارئةً للأدب، فقالت وهي تذيع الخبر: “إن أحد أهم الكتَّاب في اللغة الإنجليزية، الذي أعدُّه معلمًا لي، قد مات!”. أدى تشابه الأسماء بين ويليام بيل شكسبير، الذي تلقى اللقاح، والأديب والشاعر الإنجليزي ويليام شكسبير، إلى كشف عدم معرفة المذيعة شيئًا عن معلمها، لأنها لا تدري أنه توفي قبل 400 عام “1616م”. لم يكن مطلوبًا من المذيعة سوى أن تقرأ الخبر بصورة جيدة، وهذه مهمتها، التي إن أنجزتها بصورة جيدة، فستصبح ناجحةً فيما تؤديه، وهذا هو المهم لمَن يعمل في وظيفتها، لكنها حاولت أن تحصل على شيء دون وجه حق، فادعت معرفة ما لا تعرفه طمعًا في زيادة المعجبين، ومحاولةً منها أيضًا لإظهار نفسها على غير حقيقتها، وهذا ما أضعفها، وجعل ما فعلته خبرًا لوكالات الأنباء، حتى إن كانت قارئة أخبار جيدة.
نلتقي في أيامنا بمَن يحاول أن يبدو مطلعًا وعارفًا بأمور شتى، ولا أقصد هنا المطلعين فعلًا، بل مَن يدَّعون ذلك، وهؤلاء لو ركزوا فيما يعملون، لصاروا أهل معرفة وعلم وتخصُّص، وأصبح عندهم ما يقولونه ومَن يستمع إليهم. المشكلة أن بعضهم لا يجيد العمل الذي يتخصَّص فيه، ومع ذلك يحاول أن يبدو مطلعًا وعارفًا بشتى الأمور. تذكرت شيخًا هنديًّا، شاهدته على قناة تلفزيونية، قال: “التقيت بائع شاي، يُعِدُّ نحو 500 كوب من الشاي كل يوم. حدَّثني عن السياسة، ووضع حلولًا للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وتطرق لأسباب عزوف الشباب عن الزواج، لكنَّ الشاي الذي كان يعدُّه كان شايًا سيئًا!”.