ردود
على الردود!
* تُظهر الردود في الـ “سوشال ميديا” عجائب وغرائب بعض الناس، وطرق ردود بعضهم على أفكار وآراء غيرهم، ويستطيع المتابع لهذه الردود أن
يكتشف عالمًا مصغَّرًا شبيهًا بعالمنا على أرض الواقع، والحياة اليومية،
خاصةً عندما يخطئ أحدهم في فهم كلامك.
فأنت إذا ما كتبت في الـ “سوشال ميديا” عن موضوع معيَّن سواءً كان موضوعًا جادًّا، أو طريفًا، ومهما كانت كتابتك واضحة، فإن هناك عشرات العقول التي ستفسرها على طريقتها وأهوائها وأمزجتها، ثم ستقوم بالرد عليك بفهمها الذي ابتكرته ولم تكتبه أنت، حينها تصبح بين خيارات عدة، إما أن تبدأ في الرد على كل واحد منهم محاولًا شرح ما كنت تقصده، وهي محاولة مصيرها الفشل
عادةً، كما أنها مرهقة، أو ألَّا ترد إلا لضرورة معينة.
لاحظت في الآونة الأخيرة في تويتر، أن هناك إمكانية لعدم إتاحة الرد على التغريدة، وكلما شاهدت مغردًا يستعمل هذه الخاصية، تفهَّمت أنه يريد أن يريح رأسه، وألَّا يحوِّل رأيه، أو فكرته إلى مشروع، يتورط فيه بالردود التي لا تنتهي. نستطيع ملاحظة استسلام بعض المغردين عندما يردون على بعض التعليقات، ثم يفقدون الأمل في محاولة الشرح، ثم يتوقفون عن الرد على التعليقات.
* يوتيوب صار مصدر دخل لبعض صنَّاع المحتوى، وصار لهؤلاء الصنَّاع متابعون مدمنون على المشاهدة، لا سيما مَن يشاهدون الفيديوهات التي يصوِّر فيها أصحاب قنوات يوتيوب حياتهم ويومياتهم! واليوميات المصوَّرة سواءً كانت مشوِّقة، أو مملة، تصبح عند بعض المشاهدين حالةً من الإدمان، فحتى اليوميات المملة تصنع عند بعضهم حالة إدمان على المحتوى الممل، لأن المتابع ينسى بعد مدة أن هذه المادة مملة بالأساس، لكنَّ نوعًا من المشاهدين صار لا يتابع الفيديوهات، بل الردود والتعليقات على الفيديوهات،
فعند كل صانع محتوى تجد مئات التعليقات الغريبة على الفيديو الواحد، وكثيرًا ما تبتعد التعليقات عن مضمون الحلقة لتصبح معارك بين المتابعين، وفي بعض الأحيان تتحول
إلى معارك عنصرية، وفي منتصف ذلك قد تجد أشخاصًا يتبادلون وصفات لطبخات تقليدية، أو حتى طلبات زواج. أعتقد أن على كل صانع محتوى، ومغرد أن يقدم ما لديه دون أن يخوض في متاهة الرد على الردود،
لأن الخوض فيها متعب ومزعج ومحبط، كما أنه يبعد المغرد، أو صانع المحتوى عما
يقدمه.
أخيرًا وبعيدًا عما تقدم، ومن جميل ما كتبته الراحلة لميعة عباس عمارة:
لو أنبأني العراف
أني سألاقيك بهذا التيه
لم أبكِ لشيء في الدنيا
وجمعت دموعي
كل الدمع
ليومٍ قد تهجرني فيه.