يوم الأب.. نصائح ذهبية
بالأمس صادف يوم الأب العالمي، وقد لا يعرف بعضنا أن هناك يوماً سنوياً للأب مثل يوم الأم الشهير، ويوم الأم يُحتفل به عالمياً بصورة ملفتة، أما يوم الأب فلم يأخذ شهرة يوم الأم، ولا مشكلة في ذلك، بل العكس فمجرد وجود يوم للأب فيه إنصاف لدور ومكانة الأب، وأظن أن عدم شهرة يوم الأب سببه أنه يوم يشبه من يحصل على المركز الثاني أو الثالث، مركز متقدم لكنه ليس البطل الذي تتجه إليه الأنظار.
ومن حق كل أم أن تكون هي البطلة دائماً في مضامير الحياة، فلا أحد يشبهها أو يقدم مثل عطائها وتضحياتها. قبل أيام أحضر أبنائي هداياهم وقدموها لي، وعندما سألتهم عن المناسبة قالوا بمناسبة يوم الأب، شعرت بالسعادة لاهتمامهم، واعتذرت منهم على أي تقصير بدر أو سيبدر مني، لكنني وجدت نفسي أذهب بعد ذلك في رحلة ذكريات مع والدي ـ رحمه الله ـ، واسترجعت بعض الأحاديث والمواقف، وتذكرت بعض نصائحه التي لم أعرف قيمتها حينها، واكتشفت صحتها من خلال التجارب عبر السنوات الطويلة، اكتشافات متأخرة دفعت ثمن تأخيرها كثيراً، وانتبهت إلى أنني اليوم صرت مثل والدي عندما أتحدث مع أبنائي، وأقدم لهم بعض النصائح المهمة. الحقيقة أنني كررت لهم بعض ما قاله لي والدي، وذكرت لهم بأن والدي نصحني في عدة أمور لم آخذ بها وندمت على ذلك لاحقاً، فلا تكرروا أخطائي عندما لم آخذ على محمل الجد النصائح الذهبية التي إذا ما أخذ بها الابن فإنه سيزرع لنفسه ما سيحصده مستقبلاً.
تذكرت أن والدي كثيراً ما نبهني على ارتداء الملابس الأنيقة الكلاسيكية حتى لو كانت مكلفة، لكنني حينها كنت أركض خلف موضة فرزاتشي وألوانه الصارخة، وكلما شاهدت صوري القديمة قلت لنفسي كيف كنت أرتدي هذه الملابس المضحكة، وتمنيت لو أنني كنت أرتدي الملابس البعيدة عن الموضات المؤقتة، ولو أنني استمعت لنصيحة والدي في ارتداء الملابس الكلاسيكية التي تصلح لكل مكان وزمان لاستطعت نشر صوري القديمة، لكنني لا أفعل ذلك لأن ملابسي بها تبدو مضحكة، كما أن شعري الذي كثيراً ما نبهني والدي على قصه يبدو في الصور كرجل جاء من الغابة، لم يكن يعلم ـ رحمه الله ـ أنني كنت أدفع للحلاق الكثير من الأموال لكي يجعله مبروماً! وتمنيت لو أنني استمعت لنصائحه مبكراً في أهمية القراءة، وفي الجلوس في مجالس الكبار في العمر. والاهتمام كثيراً في الدراسة والتحصيل العلمي.
أعتقد أن عدم الأخذ أو التأخر في تنفيذ نصائح الآباء سببه أن الكثير من الشباب عادة يتمسكون بآرائهم ويعتقدون أنها صحيحة للأبد، ويريدون اكتشاف بعض جوانب الحياة بطريقتهم، كما أن فارق الأجيال والاهتمامات يجعلهم بعيدين عن فهم أهمية نصائح آبائهم. ليس كل الشباب لم يأخذوا بنصائح آبائهم مبكراً، فبعضهم لديهم من الحكمة والهدوء ما جعلهم يغتنمون نصائح آبائهم الثمينة، وهذا ما وفر عليهم الكثير من التعب والندم، لكنني أجعل من تجربتي مثالاً لمن لا ينتبه لبعض نصائح والده ونتيجة ذلك، وأعلم أنه مثال يشاركني فيه بعض من هم في جيلي، وقد يقرأ هذا المقال أحد الشباب ممن لا يهتم بنصائح والده التي يقدمها له، رحم الله آباءنا الذين رحلوا، وحفظ كل الآباء والأمهات.