2021-06-29 | 22:42 مقالات

ملعب كورة.. وملعب حياة

مشاركة الخبر      

مباريات الأيام الماضية في بطولة الأمم الأوروبية شاهدتها مع الأصدقاء. متعةٌ كروية لا تضعف، وأجواء لا تنتهي إثارتها، نقفز فرحًا، ونتسمَّر دهشة، ونصمت حزنًا.
انتبهت إلى أنني وأصدقائي كنا نمارس دور المدربين والمحللين واللاعبين والمحكِّمين، ففي كل مباراة نشاهدها، كنا ننتقد المدرب على تبديل أجراه، وغضب أحدنا من تمريرة، رأى أنها لم تكن مناسبة، وكان على اللاعب أن يمررها إلى أقصى اليسار لكي يبدِّل جهة اللعب، وغضبت أنا من تسديدة نحو المرمى، كنت أرى أنها متسرعة، وكان على اللاعب أن يتقدم أمتارًا عدة إضافية، وراهن واحدٌ منا على خسارة الإيطاليين مباراتهم الأخيرة بعد أن نظر إلى وجوه اللاعبين قبل انطلاق المباراة وقال: “الإيطاليين خايفين.. صدقوني مهزوزين وراح يخسرون”. فيما وصف آخر الحكم بأنه منحاز باللاشعور لأحد الفرق، وقال ثالث عن حكم احتسب ركلة جزاء: “والله ما أخليه حكم بدوري حواري”. معظم توقعاتنا سواءً بالفوز، أو بنتيجة الأهداف، كانت خاطئة، لكنني لاحظت بعد أيام عدة أننا كنا نمارس أحكامنا، ونطلق آراءنا، وندافع عنها ونحن خارج الملعب، ولا نشاهد ما يشاهده اللاعب تمامًا من مركزه، ولا نشعر بمدى تعبه، ولا بالضغوط التي يتحملها وهو يركض خلف الكرة، بينما الدقائق تمضي نحو نهاية المباراة، ولا بحقيقة الدور الذي ينفذه لتطبيق خطة المدرب، ولا بمسؤولية الحكم الكبيرة في أن تكون عشرات القرارات التي يتخذها صحيحة، مع تحمُّل كل الاعتراضات على أي قرار يأخذه، ولا بالمدرب الذي يعمل، بينما هناك مدرب آخر يعمل ضده، وعليه أن يتخذ القرارات الصحية في واقع يتبدَّل مع كل هدف. كنا نطلق آراءنا وأحكامنا ونحن تحت تكييف الهواء البارد، وننتقد اللاعبين الذين ملأ عرق أجسامهم قمصانهم. هكذا يفعل معظمنا في ملعب الحياة، عندما ننتقد تصرفات مَن لا نعرف ظروفه، ولسنا في حالته، ولا نعيش ضغوطاته، ونلوم مَن نلوم دون دراية كافية بحقيقة واقعه. غالبيتنا وليس الجميع نمارس هذا السلوك، ولو كنا في محل مَن ننتقدهم قد نفعل مثلهم، وقد نكون في حالة أسوأ منهم. القليل القليل سيكونون أفضل حالًا فيما لو كانوا في مكان مَن ينتقدونهم. قبل سنوات وعندما تسلَّم الأمير عبد الرحمن بن مساعد رئاسة نادي الهلال، سألته مقدمة برنامج تلفزيوني أسئلةً عدة، فأجابها بكل دقة عن كل سؤال، وعندما سألته عن توقعاته حول مستوى التحكيم في البطولات المقبلة، تمهَّل قليلًا، وأذكر أنه قال بما معناه: “من الصعب أن أجيبك إجابة دقيقة ونحن نجري هذا اللقاء في درجة حرارة تقل عن 25 درجة، بينما درجات الحرارة في الملعب أكثر من ذلك بكثير”.