مذكرات مهزوم
مقولة لا يختار الإنسان معاركه فيها جزء صحيح، خصوصاً إذا كانت المعركة مع ألم الأسنان، ولأن بعد كل معركة دروس وعبر كما يقال، لم تخلُ معركتي التي سمّيتها “أم التناقض” من بعض المشاهد التي استخلصت منها ما سينفعني في المستقبل، كما أنها نافعة للباحثين في تاريخ الحروب، الحريصين على قراءته من طرفي النزاع، وهذا ما جعلني أدوّن الأحداث بنفسي كي لا ينفرد المنتصر بتدوينها، فيظهرني مهزوماً بالطريقة التي تحلو له.
ـ قبل الحرب: بداية أقول لذوي الأسنان الصحية لا تشمتوا بهزيمة بشري مثلكم، ولا تجعلوني عبرة ومثالاً لمن لا يهتم بأسنانه، فأنا كنت مهتمًا بها وحرصت على تنفيذ وصايا الأطباء، لكن شركات صناعة الشوكولاته فيها من الخبث ما لم أنتبه له، ولم أعرف أن مهاراتها في صناعة الشوكولاته التي تذوب في الفم سريعاً ما هي إلا خطط لاحتلال غير مباشر لمنطقة الفم، هكذا وعلى مدى سنوات رحت أفتح أكياس الشوكولاته وآكلها مثلما آكل الأرز، وأدفع من أجلها أموالاً لو أني احتفظت بها لأشتريت عمارة سكنية من عدة شقق، أسكن بواحدة وأحصل على إجارات الشقق الأخرى، متنعم بالتقاعد المبكر، أسافر في العالم الجميل مستمتعاً بعجائبه وغرائبه، لكنني لم أعتقد ولو للحظة أن الطريق الذي تنعمت فيه بالطعم الحلو أعواماً سيتحول إلى طريق آلام، وأن الأسنان تهادنك حتى تعتقد بأنها أخلص المخلصين إليك، ثم تنقض بآلامها عليك فجأة وكأنك أعدى أعدائها. العبرة الأولى: ليست كل البدايات الحلوة نهاياتها حلوة!
ـ الحرب: الحرب ضد ألم الأسنان استمرت ثلاثة أيام، لكن معاركها متقطعة، أشدها تلك التي احتدم فيها القتال ليلاً، اعتقدت بعد نهاية المعركة الأولى أن الحرب انتهت، ورحت أحتفل بصمودي الذي اعتبرته انتصاراً كاملاً، وأخطأت عندما أعلنت لأفراد أسرتي بأن ألم الأسنان الذي يشتكي الناس منه مجرد آلام عابرة لكنهم يبالغون في وصفها، حتى اشتدت عليّ الآلام واضطررت لأن أتمدد على “كنبة” الصالون، حينها ودون شعور مني رحت أطلق الآهات التي تعتبر إعلان استسلام مني وانتصارًا للأسنان. العبرة الثانية: لا تحتفل مبكراً حتى تتأكد من كامل انتصارك.
ـ بعد الهزيمة: لاحظت وأنا أخوض غمار الحرب أنني عند اشتداد الآلام أصبح إنساناً وديعاً، طيباً مسالماً، ثم إذا ما زالت الآلام أصبح شرساً مندفعاً، ثم أعود مرة أخرى لوداعتي مع عودة الآلام وانشغالي بها. العبرة الثالثة: بعض الظروف تمنع الأشرار من إظهار شرورهم فلا يبدون كأشرار.
ـ كلمة للتاريخ: الحق أنني دفعت ثمن عدم توازني في تناول الشوكولاته، وأهملت نصائح الأطباء وأصحاب التجارب، وآمل أن تكون هزيمتي بداية جديدة لمرحلة صحية أفضل. العبرة الرابعة: لا تجعل من نصائح السابقين كلاماً عابراً.