وصايا
مغادر
احذر عندما تعطيك الحياة فرصًا كثيرة متقاربة، ولا تتصور بأن هذه الفرص دائمة، تعامل مع كل واحدة باحترام كبير وكأنها الفرصة الأخيرة، واعلم بأن ما لديك من وفرة فرص قد لا تتكرر، لأن الفرص في وقت ما قد تبتعد عنك للدرجة التي تبقى فيها مثقلًا ومتعبًا.
وعند كل لحظة تريد فيها التقاط أنفاسك تضيف عليك الظروف الصعبة حملًا جديدًا، حينها تتراءى أمامك كل الفرص الضائعة، وستشاهد نفسك ذلك المتهور المغرور، وستعرف قيمة ما أهدرته، وستجد نفسك نادمًا، فإن وجدت نفسك على هذه الحال لا تيأس، لأن اليأس حكم مسبق بالنهاية قبل النهاية، وهزيمة قبل الهزيمة، وإهدار للقوة الكامنة، وسوء تفكير، وكل سوء تفكير سوء تدبير، وابدأ من جديد بكل ما لديك من حكم أخطائك، فلا حكمة شديدة الإحكام والحذر مثل حكمة صاحب التجربة، واعلم بأنك صرت خبيرًا، وكل خبير عالم، وإن تبدأ متأخرًا خيرًا من أن لا تبدأ، وفي وصولك تصالح مع ذاتك، وإنصاف نفسك، وراهن على الأخلاق العالية مهما انحط الناس من حولك، لأن حسن الأخلاق حسن النفس، وحسن النفس راحة للقلب، وحافظ على صدقك حتى لو صار الكذب عملة الشراء والبيع، فلا كرامة لكاذب، وكل كاذب ضعيف، وكل ضعيف حقود، وكل حقود حاسد. عالج كل جرح صغير، فكل صغير يكبر، وازرع الحب في القلوب في الوقت الذي تستطيع زرع الرعب والخوف، فإن زالت قوتك بقيت محبتك في قلوبهم، واعلم أن للكلام سحرًا، فاختر كلماتك، وألقي بالتي تصنع الود وتفتح الأبواب، وأحسن الظن فإنه يزيل الوهم، وينقي النفس، صادق أهل العفة، فلن يصيبك منهم شر، وكل ابتعاد عن الشر مكسب، وخلف كل مكسب رجاحة عقل، والعاقل لا يبذر، والتوفير في حسن التدبير، وكل توفير سند، واعلم أن على حجم الغضب حجم الندم، فاحمل سلاح الحلم والرقة، ففيهما مفاتيح الأقفال المغلقة، وازرع ما تنتظر حصاده وما لا تنتظر حصاده، ما تتعب من أجله في قوتك يقيك الحاجة في ضعفك، وما تقدمه من خير هو أثرك الذي تهديه لنفسك وتتركه بعدك، فأكثر من الهدايا التي تجبر الخواطر.
إضاءة لعبد الله البردوني:
والمرء لا تشقيه إلا نفسه
حاشا الحياة بأنها تشقيه
ما أجهل الإنسان يضني بعضه
بعضًا ويشكو كل ما يضنيه
ويظن أن عدوه في غيره
وعدوه يمسي ويضحي فيه