عندما
يَقتل الكلام
أصحاب نظرية المؤامرة موجودون في كل زمان، عندما مشى الإنسان على سطح القمر ظهر من يقول بأن كل ما شاهدناه مجرد تمثيلية تم تصويرها في استديوهات هوليود، ثم صارت من الوسائل الإعلامية من تتيح لهؤلاء المجال لطرح أدلتهم، ومما قالوا: كيف رفرف العلم الأمريكي على سطح لا هواء فيه؟ كيف لا تظهر النجوم في السماء بينما الظلام في كل مكان؟ ورغم كل الأجوبة على استفساراتهم إلا أنهم لم يتوقفوا عن تكذيبهم لحقيقة الوصول إلى القمر.
ومع أن الإنسان أوصل الآلة إلى المريخ كمقدمة أولى لوصول الإنسان مازال المشككون بوصول الإنسان إلى القمر بالملايين ومازالوا يعتقدون بأن ما حصل مجرد خدعة قامت بها “ناسا” لإظهار التفوق الأمريكي على الاتحاد السوفيتي، لكن كل ما دار في هذا الشأن لا يهمنا نحن سكان العالم، لأنه لا يهدد حياتنا ولا يسبب لنا الضرر.
مع ظهور جائحة كورونا ظهر أصحاب نظرية المؤامرة من جديد، اعتقادهم هذه المرة أن هناك من يريد إنقاص عدد سكان العالم، وأن المتآمرين يحاولون الحصول على ثروات من سيموتون بالوباء. عندما سمعت وشاهدت على اليوتيوب مثل هذه الآراء لم أهتم، حتى عندما نجح أصحاب نظرية المؤامرة في نشر رأيهم حول العالم قلت بأنهم مجرد “كلمنجية” لا منطق ولا أدلة عندهم، لكنني استشعرت الخطر من وجودهم عندما ظهرت اللقاحات وصاروا يقولون بأن هذه اللقاحات مؤامرة جديدة ومكملة لمؤامرة كورونا، والمؤسف أن هناك من صدقهم وصار يتبنى آراءهم، قبل مدة نشرت وسائل إعلامية أن الذين نشروا الأخبار الكاذبة عن أضرار اللقاحات مجرد 12 شخصًا على السوشال ميديا، لكن تأثيرهم طال عشرات الملايين الذين صدقوهم وتبنوا آراءهم، وممن تبنوا هذه الآراء مقدم إذاعة أمريكية شهير، خصص أوقاتاً طويلة من برامجه للحديث عن مؤامرة كورونا وضرر اللقاحات، المؤسف أنه أصيب بكورونا التي لم تمهله طويلاً، لكنه وقبل وفاته نصح الناس بتلقي اللقاح لكي لا يفقدوا حياتهم وأنه نادم على كل ما قاله.
قبل شهرين تقريباً التقيت بأحد الأصدقاء، كان قد أنهى الماجستير قبل سنوات ولديه مؤسسة ناجحة، كنا نشرب القهوة في إحدى المقاهي عندما عرفت صدفة أثناء الحديث بأنه لم يأخذ اللقاحات ويرفض أخذها، وعندما سألته عن السبب راح يردد ما سمعه من مخطط لإنقاص أعداد البشر، ثم ذكر عدة أسماء شاهدها على اليوتيوب توضح حقيقة المؤامرة وضرر اللقاحات، وأنه يصدقهم ويثق بكلامهم، كما أنه أقنع كل أفراد أسرته بأن يمتنعوا عن أخذ اللقاح. فاجأني حديثه وهو المتعلم في إحدى جامعات بريطانيا الشهيرة، وأحزنني أن كل سنوات تعليمه لم تنفعه في الفرز ما بين المنطق واللا منطق، بالأمس وعبر الواتس علمت عن خبر وفاة والدته بكورونا!.