2021-10-04 | 20:27 مقالات

حب ذات

مشاركة الخبر      

في الحياة لا نعيش مع الأصحاب والمعارف والزملاء وكل مَن نلتقيهم بوجود حكم مثل مباريات كرة القدم، يحتسب الخطأ عند حصوله ضد مرتكب الخطأ، بل نتولى نحن المهمة، ونطلق أحكامنا في عملية لا إنصاف فيها، حيث يكون الواحد منا الخصم والحكم الذي يُصدر الأحكام غالبًا لصالحه، فأي أحكام منصفة سنصدرها تجاه غيرنا ونحن مدفوعون بحب الذات. على هذا المقياس نعيش حياتنا.
“مع الأسف، كلما زادت سنواتنا، زاد رصيدنا من الأحكام لصالحنا”. مقولة لعلي الوردي، قرأتها قبل شهر، وما زالت عالقة في عقلي، وفكرت إلى أي درجة عشت كما تقول المقولة، ثم وجدت نفسي واحدًا مما تنطبق عليهم، كما وجدت في بعض الحالات وكأنه كتبها ليصفني تحديدًا، خاصةً تلك الحالات التي شعرت فيها بالقوة! ففي الوقت الذي كان يجب فيه علي أن أكون هادئًا متواضعًا، وجدت نفسي أطلق أحكامي من منطلق هذه القوة المغرورة وغير العادلة “هذه طبيعة الإنسان في كل مكان وزمان، فهو يطلب العدل حين يكون محرومًا منه، فإذا حصل عليه بخل به على غيره”.
لا أدري كم واحدًا سينضم إلي بعد أن قرأ ما قاله الوردي، لكنني أدرك أنهم كثرٌ في حب الآخرين، ويسجلون انتصاراتهم على الأنانية دائمًا، ما عدا أولئك القلة المعطاءة والمنصفة، الذين يعطون غيرهم دروسًا.
عندما رحل أحد الكرماء كانت الناس تتحدث عن مآثره وكرمه وأخلاقه العالية، وعطفه وعدله، وتضحيته ونقاء سريرته. كان الجمعُ الغفير في وداعه إلى مثواه الأخير النتيجةَ التي خرج بها من محطة الحياة، كان انتصارًا حقيقيًّا وثابتًا. لم يترك مالاً لأبنائه لكنه ترك لهم عنوانًا شامخًا، وسيرة تتناقل تفاصيلها الناس وترددها مثل أغنيات جميلة.
مما حفظه التراث، أن الأحنف بن قيس سبَّه رجل وهو يماشيه في الطريق، فلما قرب من المنزل وقف وقال له: “يا هذا إن كان بقي معك شيء فقله هاهنا، فإني أخاف أن يسمعك فتيان الحي فيؤذونك، ونحن لا نحب الانتصار لأنفسنا”.