البحث
عن تيراموساية
للأخطاء حسناتٌ وفوائدُ، سواءً عَلِمنا بالفائدة بعد ارتكاب الخطأ، أو اكتفينا بالامتعاض والحزن، وارتكاب الخطأ دليلٌ على العمل والنشاط. حاولت أن أوضِّح ذلك لكل أصدقائي الذين يتندَّرون على محاولاتي الفاشلة، ويضيفون إليها من خيالهم ما يضحكني طويلًا.
قلت لهم مرارًا وتكرارًا: “الذي لا يخطئ، هو الذي لا يعمل”. لكنهم لم يتقبَّلوا، ولن يتقبَّلوا تفسيراتي، لأنهم “شلةٌ”، اعتادت على التنظير البعيد عن المنطق وشؤون العقل. قبل أيام توفي الشيف الإيطالي أدو كامبيول، وأجزم بأن معظمنا إما تناول، أو شاهد على الأقل حلوى التيراميسو التي صنعها كامبيول، وانتقلت من مطعمه في تريفيزي، شمال إيطاليا، إلى جميع أنحاء العالم. من روعة هذا الرجل أنه لم يدَّعِ ابتكاره التيراميسو عن سابق تفكير وتخطيط، بل قال منذ البداية: إنها فكرة زوجته، وأن خطأً ما ارتكبته الزوجة، إضافةً إلى شيف آخر، أسهم في ظهور النتائج الأولى للتيراميسو. ويبدو أن كامبيول انتبه إلى أن هذا الخطأ هديةٌ ثمينة، أُرسِلت إليه تكريمًا لمحاولاته ونشاطه. تخيَّلوا أنه نجح عالميًّا باستغلاله ذاك الخطأ الذي ارتُكِبَ، على الرغم من كل ما خطَّط له وسعى إليه في حياته! وهذا يوضح أنه كان ماهرًا في عمله، إذ أدرك أن هذا الخطأ هو النتيجة التي كان يجب العمل عليها للوصول إلى الهدف، أي أن الخطأ المناسب، وصل للرجل المناسب.
ولم يغفل كامبيول عن أهمية اختيار اسم لافت للحلوى الجديدة، وأطلق عليها اسمًا تحفظه الذاكرة، فالتيراميسو تعني “ارفع لي معنوياتي”. ربما أكون قد ارتكبت خطأً فادحًا عندما لم أقدِّم لأصدقائي التيراميسو ليرفعوا لي معنوياتي، واكتفيت بالتبرير، أو أنني منظِّرٌ مثلهم، وهذا ما جمعني بهم!
حكاية أدو كامبيول مع التيراميسو فيها إشارةٌ لنا، أن بعض ما نرتكبه من أخطاء قد يكون قفزةً للأمام، وهذا ما يدعونا إلى مراجعة أخطائنا، فبعض ما نعتقد أنه خطأ قد لا يكون كذلك، بل فرصة ذهبية، يجب اقتناصها واستغلالها. سأجعل من التيراميسو شعارًا رمزيًّا لمحاولاتي المقبلة، وسأدقق في كل الأخطاء التي سأرتكبها لعلَّني أجد فيها “تيراموساية”، وآمل ألَّا يكون مصير جهودي المقبلة حكايةً جديدةً لتندُّر الأصدقاء.