2022-01-04 | 15:10 تقارير

النصر.. نادي الفقر ليس للبيع

الرياض - صالح الخليف
مشاركة الخبر      

يناديه خصومه وأعداؤه وكارهوه بنادي الفقر.. الشتيمة المفضلة التي يناكف على أجنحتها المتكللة وتحت مظلاتها المتخلخلة أولئك المنادون والمتسمرون في جبهة متماسكة يصطف على جوانبها الغابرة غرماء النصر وخصوم النصراويين.
يسمع هؤلاء النصراويون كل يوم أصواتاً شاردة تصمهم دون ذنب اقترفته أيديهم بالفقر.. وما أقبح الفقر وما أجمل الفقراء..!!
وحتى لا نطيل الوقوف وراء الأبواب المعزولة، وحتى لا نصور النصر وحده المغلوب على أمره، وحتى لا نرمي التهم المعلبة على الأرصفة المنسية.. نقول ذكراً واستذكاراً وتذكيراً بأن هذه التنازعات الدارجة داخل أذهان المشجعين وألسنتهم إنما هي أجواء اعتيادية من نتاج المعاداة الكروية الطبيعية.. للهلال والاتحاد والأهلي أيضاً أسماء ومسميات يطعنهم فيها الغرباء كلما وجدوا إلى ذلك سبيلاً.. هذا شيء يحسب من كلاسيكيات وسلوكيات كرة القدم حينما تكشف عن وجهها القبيح.. أما لماذا سمي النصر بنادي الفقر وهل فعلاً هو ناد فقير لا يملك قوت يومه.. ومتى سمي بهذا الاسم.. وهل هذا الاسم نقيصة ومعيبة وعار يبيح لمزاحميه رميه به بين حين وحين..؟
إنها بواقي أسئلة مباحة تنتظرها إجابات ناقصة..
ظل عبد الرحمن بن سعود باني ثقافة النصر الوجودية ردحاً من الزمن يصر على أن الأصفر ليس نادياً تسيره لعبة الأموال وقوانينها مرسخاً ترابطية الحب والانتماء والولاء بين ناديه وكل المنتمين إليه.. ورغم شجبه واستنكاره للفكرة المادية كلغة عملية بين اللاعب من جهة والنادي في الضفة الأخرى إلا أن عبد الرحمن بن سعود كان أكثر المنادين بتطبيق الاحتراف في عوالم الكرة السعودية.. وحينما نجحت مساعيه وطبقوا الاحتراف واصطدم بالواقع كان الرسوب بانتظاره.. لم يستطع عبد الرحمن بن سعود تسجيل تقدم محسوب طوال فترة التسعينيات من القرن الماضي.. حينها بقي الاتحاد والهلال وبمسافة قريبة يشاركهما الشباب وسط المنطقة الأكثر حركة على الاستعانة بأسماء محترفة قادمة من خلف البحار تصنع الفارق وتجعل لهذه الأندية القدرة في ملامسة الذهب عندما يأخذ النصراويون إجازة اضطرارية.. في منتصف التسعينيات فاز النصر بالدوري مرتين لعامين متتاليين.. جاءت البطولتان بفضل فهد الهريفي وماجد عبد الله.. غاب اللاعب الأجنبي المؤثر عن القائمة النصراوية المتوجة.. الأسماء النصراوية الوافدة كان أبرزهم وأهمهم وأشهرهم الغاني أوهين كيندي الذي لم يتجاوز سعره المئة ألف دولار.. لهذا اللاعب بالذات قصة يطول الخوض في أدق تفاصيلها لمعرفة أن عبد الرحمن بن سعود يراهن دائماً على فرضية أن كل القادمين إلى النصر يأتون محملين بالحب والعشق والهيام.. كان النصر يتملك هذا الرجل بمشاعر أسطورية يمكن أن تروى في حكايات العشق المباح وقصص ألف ليلة وليلة.. سألوه عن كيف يستطيع مسايرة أندية تملك الملاءة المالية العالية فرد عليهم: "بالقلوب نجابه الجيوب".. باتت هذه العبارة فيما بعد كالأغنية الرومانسية التي تتردد على مسامع النصراويين.
قال مرة أخرى وفي كلمة شهيرة أيضاً: "أعطوني ملايين الهلال والاتحاد أسوي الهوايل"..
كلام عبد الرحمن بن سعود على عفويته وشعبويته يصلح أن يكون دستوراً يمكن من خلاله قراءة أوضاع النصر.. يمكن من عبدالرحمن بن سعود كذلك معرفة الرجال الأكثر التصاقاً بالنصر.. أيضاً كان هناك من ابتعد عن النصر خشية الاصطدام مع عبدالرحمن بن سعود.. يقال مثل هذا الكلام حتى لا نميل كل الميل.. يقال مثل هذا الكلام إحقاقاً لحق أحق أن يتبع.. غادر عبدالرحمن بن سعود الدنيا وأصيب النصر بالحزن والكآبة والفقر وشيء يشبه الموت.. برحيله تيتم النصر.. كان وجوده يعوض كل النواقص.. المال والرجال والإعلام.. حينما كان عبدالرحمن بن سعود يستبعد النصر من دائرة أندية الحسابات والفلوس ما كان أحد يجسر على ربط النصر بالفقر.. كان حينها النصر غنياً فعلاً.. غنياً برجل واحد.. العوض برأسه..!!
تجري الأيام سريعاً ويتولى النصر إدارة تسيّر النادي بطريقة لا تتوافق مع مجريات الزمن.. كان وليد بن بدر الرجل النافذ والقوي في تلك المنظومة قد أغلق الباب في وجه محاولات كثيرة كانت تحاول نقل النصر إلى عالم فسيح من الدعم وحجز موطئ قدم ومساحة تليق به بين كل المتسابقين على خطى الصفقات والنجوم.. قال ليس هناك لاعباً سعودياً يستحق ثلاثة ملايين في وقت تجاوز ما يدفعه بنو هلال واتحاد منصور الملايين وأرقاماً على يسارها الأصفار الستة والسبعة في لاعب واحد.. من هنا باتت الفوارق بين النصر ومن يعاكسونه الاتجاهات واضحة كإشارات حمراء تضيء عتمة الطرق في أواخر الليل البهيم.. من هنا التصق بالنصر الاسم والمسمى.. النصر نادي الفقر لأنه لا يستطيع منافسة الهلال والاتحاد على اللاعبين.. هكذا بكل بساطة..
تبتعد تلك الإدارة عن المشهد بعد أن أبعدت النصر عن المنافسة والتحدي والبطولات لقرابة السنوات العشر وتلصق في الوقت ذاته بالنصر وصمة الفقر.. بالطبع ما كانت تستقصد هذا أو تسعى إليه.. كانت تعمل وفقاً لرؤيتها وفلسفتها ومنهجها وما تراه الطرق الصائبة في إدارة الأصفر وهذا أقل حقوقها.. سياستها هذه هي التي أقحمت النصر في هجائيات الفقر وتعاييبها..
جاء فيصل بن تركي قادماً من المستقبل.. قادماً من النصر الذي يملك كل شيء إلا الفقر.. شرع الأبواب على مصارعها للنصراويين بلا أي عقد أو تصفية حسابات.. جيش من الوجوه الجديدة التي تسابقت على الدعم والمؤازرة والوقوف بجانب ناد تعشقه وتحبه.. عاد خالد بن فهد للمشهد بقوة.. أسماء أخرى تعطي وتدعم بعيداً عن الضوء والكلام والبروبجندا.. دفع أحدهم في اجتماع عابر ستة ملايين ريال.. أصبح النصر رسمياً النادي الأكثر توحشاً داخل حلبة الصراع على أي لاعب معروض في المزادات المشروعة.. أي لاعب يُمني فيه النصراويون النفس برؤيته متوشحاً بشعارهم الأصفر.. منذ ذلك الحين وحتى اليوم لم يخسر النصر صفقة واحدة.. كل لاعب يريد أن يزيد سعره ويضاعف ثمنه ما عليه إلا أن يمرر رغبة النصر بالتعاقد معه.. فعلها لاعبون كثر في أندية عديدة.. كل من أراد إحراج إدارة ناديه ألمح وعبر السوشال ميديا بإشارات كالرسائل من تحت الماء إلى أن أشعة الشمس الصفراء تستعد للشروق على حياته..
صار اسم النصر وطوال السنوات العشر الأخيرة شيكاً على بياض لا يمكن مجابهته في الأسواق المفتوحة.. أيضاً أي لاعب يريده النصر واللاعب لديه الدافع لتمثيل هذا النصر تكون الصفقة فعلياً فقط تنتظر الإعلان الرسمي.. ما يزيد في هذا السجل المثير للجدل هو أن النصر النادي الوحيد من بين كل الكبار والصغار الذي لم يستطع أي ناد أن يتبضع من لاعبيه.. بعكس أحداث ومشاهد ومواقف عجز فيها الهلال والاتحاد والأهلي عن الحفاظ على بعض لاعبيهم كان النصر وحيداً لا أحد يمكنه الاقتراب من نجومه ولاعبيه.. خسر الهلال مثلاً خميس العويران (رحمه الله) في عز مستواه.. اختطفه الاتحاديون بقوة المال.. فعلوا الشيء ذاته وبالطريقة ذاتها وبالوقت ذاته مع أحمد الدوخي.. حاولت الإدارة الهلالية بقيادة محمد بن فيصل في فترته الأولى الإبقاء على الدوخي الذي كان أبرز ظهير أيمن سعودي وقدموا له مبلغ الثلاثة ملايين ريال المشروطة "كاش" لكنه قال "لا" وغادر إلى جدة ليرتدي القميص الأسود المقلم بالأصفر.. الأهلي ترك أسامة هوساوي يطير إلى الهلال.. قال لهم لم أعد مرتاحاً ولا أريد الاستمرار فنزع شارة القيادة من كتفه الأيسر بعد مساهمته الفعالة في تحقيق لقب الدوري الذي انتظره الأهلاويون قرابة الثلاثين عاماً.. حدث هذا والأهلي يعيش أزهى عصوره المالية.
الاتحاد لا يحتاج العودة معه كثيراً للتاريخ.. هذا هو سعود عبد الحميد الوجه الدولي الصاعد يوقع للهلال بعد أن ظلت إدارة نادية التسعيني تفاوضه قرابة ستة أشهر بلا جدوى.. وقع مع الهلال واكتفت إدارة أنمار بالبيانات والشجب والاستنكار.. في النصر الذي يسمونه نادي الفقر لا أحد طوال التاريخ يأخذ منه لاعباً.. أبداً.. أبداً.. هذا ليس كلاماً تأييدياً وليس كلام مشجعين وليس خواطر مساندين.. إنها الحقائق التي لا يمكن ردها إلا بحقائق مثلها أو تشببها..
عوض خميس مثلاً وقع للهلال وصور مع القميص الأزرق وصور مع الوكيل ثم عاد يمثل النصر الذي قال له: "لم يحن الوقت ليخرج من النصر لاعباً يريده.. لم يحن الوقت يا خميس".. كل النماذج وعبر التاريخ الطويل عندما ترفع المنافسة المالية هاماتها فلا صوت يعلو صوت النصر.. إذا حضرت عوامل أخرى فذاك أمر فيه سؤال وجواب.. عيسى المحياني مثلاً عندما كان مهاجماً وحداوياً بارزاً وتهافت عليه النصر والهلال في وقت واحد لم يختر العرض المالي الأقوى والأفضل وإنما خرج وقال إنني أديت صلاة استخارة واخترت الهلال.. هناك أسماء أخرى قد يكون في تناول قصص انتقالهم لأندية أخرى ورفض العروض النصراوية أشياء من الحرج والصعوبة والتعقيد طرحها بوقائعها وحقائقها الصادمة..
وطالما هذا هو الحال.. وطالما النصر الوحيد الذي لا يستطيع ناد سعودي انتزاع نجومه في أول الليل وأطراف النهار.. طالما النصر ينتصر في كل صفقة كروية يكون فيها المال وحده الفيصل وفرس الرهان.. طالما النصر يملك ما يكفيه من المال ويفيض.. طالما وطالما.. لما إذن تطول حكاية الفقر تلك.. لماذا تستمر.. أليس هناك أندية أخرى أحق وأولى بهذا الاسم وتلك التسمية؟..
الفقر هو الوصف المباشر والواضح والصريح للفاقة والحاجة وحد الكفاف، والنصر طبعاً ليس محتاجاً ولا يسأل الناس كفافاً.. إذا كان تعريف الفقر واضحاً فهل يعقل أن يسمى النادي الأغنى والأثرى بين نظرائه بالفقير؟!.. إنها تضادات تخالف واقع الأشياء حتى يكاد يرتد السحر على الساحر وعلى السحرة وعلى المسحورين..
تخرج أنباء متواترة حول لاعب الوسط عبد الله الخيبري.. تبدأ الأقاويل والشائعات تنافي نفسها.. تجلس التنبؤات على كرسي وثير.. تأخذ التوقعات والتحديات مكاناً منزوياً وراء ترقبات خجولة.. هلالي حيناً واتحادي حيناً وأهلاوي حين يجافي النوم من يسبحون في فضاء الأمنيات.. يستمر مع النصر ويغرد حساب النادي الأصفر.. "اللي يبي النصر.. العالمي ما يخليه".. عبارة شاعرية متداولة في تراحيب السعوديين.. تختصر التاريخ بأسره.. تعطي خارطة طريق العودة إلى قراءة المشهد دون إسفاف أو تسطيح أو تهميش..
هل النصر كان فعلاً فقيراً وينتقم الآن من الماضي.. هل يستطيع الفقير المحافظة على ممتلكاته حينما يضع الأغنياء أعينهم عليها؟..
هل تغيرت معادلة الفقر في هذه الدنيا؟.. سأل الصحافي المسؤول النصراوي عن السر الكبير وراء هذا التغول والسمعة والقوة وكيف ينجح النصر دائماً في كل صفقة فقال ذلك المسؤول بابتسامة باردة: "نقول للاعب الذي نريده ما قاله نزار قباني.. بدراهمي لا بالكلام الناعمي"..!!
وسأل نفس الصحافي مسؤولاً آخر في ناد آخر ماذا تقولون للاعب حينما تفاوضونه فقال: "نسأله سؤالاً واحداً.. هل فاوضك نادي الفقر؟"..
إنها الزاوية المضيئة.. إنها محاولة الانتصار على الفقر.. فأي الفريقين أحق بالفقر إن كنتم تعلمون؟!!