من عالم
اللغة
منذ أسابيع وأنا أحرص على تقديم فقرة عن مفردات اللغة العربية في برنامجي الإذاعي، جاء الأمر صدفة عندما قرأت على الإنترنت عن معاني بعض المفردات، وعندما قدمتها على الهواء وجدت متعة غير معتادة، ثم كررت ذلك في حلقات لاحقة، ثم وصلتني رسائل من مستمعين تطالب بتثبيت الفقرة كواحدة من فقرات البرنامج اليومية.
اليوم لا أجد إجابة عندما أتساءل عن السبب الذي منعني من تقديم فقرة عن لغتنا العربية طوال السنوات الماضية، سوى أنني كنت أبحث في الإعداد السهل، والإعداد السهل يحافظ على لياقة المعد لكنه لا يطوره. الشيء الآخر الذي تكشف لي أنني كنت وما زلت أستخدم الكثير من المفردات في غير موضعها الصحيح، ولا أدري كم مختص باللغة علق وهو يستمع أو يقرأ لي: يا عيني ياعيني.. هذا وأنت مقدم برامج وكاتب! طوال استخدامي للمفردات لم أعلم أن من الخطأ القول: أعتذر عن التقصير والصحيح أعتذر من التقصير، والحقيقة أنني تقصدت أن أبدأ بهذا المثال لأنه الأهم بالنسبة لي، خصوصًا وأنا كثير الأخطاء، الآن عرفت بأنني كنت أخطئ حتى في طريقة اعتذاري. عرفت في الأيام الماضية أن من الخطأ القول: الأمر الهام، والصواب: الأمر المهم. هذا المثال أيضًا مهم بالنسبة لي لأنني كثيرًا ما رددت قول الأمر الهام، المؤسف أن معظم ما اعتقدت أنه مهم لا تكون نتائجه مهمة، قد يكون خطأي اللغوي هو السبب في تقييمي للمهم وغير المهم بصورة خاطئة. واسمحوا لي أن أتقدم بالاعتذار للعديد من المفردات التي استخدمتها بصورة خاطئة، أعتذر من كلمة (عصابة) لأنني كثيرًا على ما قلتها على اثنين أو ثلاثة من الزملاء بداعي المزاح طبعًا، بينما لا تقال عصابة إلا على من هم بين العشرة والأربعين شخصًا، أما العُصبة فمن العشرة إلى التسعين، والبضع من الثلاثة إلى التسعة، والرهط من الخمسة إلى العشرة، ويقال الفوج على الجماعة المارة. ليس من هذه المفردات التي استخدمتها خطأً أقدم اعتذاري، بل هناك طابور طويل عليَّ أن أمر عليه لكي أضع قبلة المعتذر على جبين كل مفردة ومعنى، كنت أظن أن الكآبة تعيش في أعماق الإنسان، لكنني اكتشفت أن الكآبة في اللغة تظهر على وجه الإنسان بينما يكون الحزن في القلب، والتناقض يكون في الأقوال بينما التضاد يكون في الأفعال، لا بد أن أتذكر كل الأصدقاء الذين اتهمتهم بالتناقض في أفعالهم، لا لكي أعتذر منهم بل لكي أصف أفعالهم بالتضاد، أما الفرق بين الهضم والحق فكبير، الهضم نقصان بعض الحق، والظلم يكون في الحق كله. أما بالنسبة لدرجات الصداقة في اللغة فهي متعددة، ولا أظن بأنني استخدمت أكثر من ثلاثة منها بصورة صحيحة، مثل الزميل وهو الرفيق في العمل، لكنني كثيرًا ما استخدمت كلمة الصاحب بصورة خاطئة، لأنها لا تقال إلا على الملازم المرافق من كثرة ملازمته.