الموسيقى وصغارها!
- الموسيقى فنّ إثارة الشّجن. وكلّ فنٍّ من الفنون يثير الشّجن هو من الموسيقى في شيء. الشِّعر والرّسم أسماك موسيقى!. لا يعيشان خارج مياهها!.
كلّ الفنون تتبع الموسيقى، لكن الشِّعر والرّسم أطفالها المُمسكون بثوبها طيلة الوقت!.
- الرّواية ابنة الموسيقى أيضًا، لكنها لم تعد طفلة، فهي وعبر إثارة الشّجن تتصل بأمّها، لكن للرّواية عالمها الخاص وحياتها الخاصّة!.
- الرّواية تثير الفضول!. بل وتثيره بشكل يعلو على الشّجن!. ومثلها يفعل فنّ النّحت!. يبدو الأمر للوهلة الأولى أنّ النّحت أقرب الفنون للرّسم، بل يبدو أنّه أحد أشكال وتنويعات الرّسم. ليس ذلك باطلًا على أيّة حال، لكنني أرى صِلَة القُرْبى، وعِظَم الالتحام، بين النّحت وبين الرّواية أكثر!. كلاهما يُثير الفضول!.
- حين أقول عن رواية إنّها شاعريّة، فأنا لا أقصد أبدًا أنّ صياغة الكاتب لها كانت أقرب إلى الشعر، وكلّ ما أقصده هو أنها كُتِبَتْ بأسلوب يثير، أو يسعى لإثارة، الشّجن!. وعليه، فإنّني لا أرى في وصف رواية بأنّها شاعريّة “بحتة”، أو شاعريّة “خالصة”، مديحًا وإطراءً للعمل الرّوائي، بقدر ما أرى فيه، أو بقدر ما أريد قوله من أنّها رواية مَعيبة بجمال ليس منها، ولا يليق بها!.
- الشجن في الموسيقى وأطفالها: الشعر والرّسم، هو كل الطّعام، لكنه في الرّواية والنّحت ليس إلّا مِلْح الطّعام، الطّعام الذي هو الفضول!. ما إن يزيد المِلْح عن حدّه، بكثرة ضخّه ورَشِّه، حتّى يصبح تناول الرّواية غير ممكن بالنّسبة لي!.
- لا أريد الشّحناء والبغضاء، لا أريد حملهما في قلبي على أحد. وأجد في قراءة الرّوايات سبيلًا عظيمًا للتّخلّص من ذلك قدْر الإمكان!.
- في الرّوايات أبغض وأحمل الشّحناء على شخصيّات من ورق!، على طبائع بشريّة حقيقيّة وواقعيّة ومنظورة في أماكن كثيرة و”في ناس ياما”، لكنها متجسّدة لي على ورق، ومصنوعة من خيال!.
- شخصيات الرّواية افتراضيّة، ولكنها تمنحني مشاعر حقيقيّة، وهي مع كونها حقيقيّة فإنّها غير مؤذية، لأنّها موجّهة لشخصيّات وهميّة!. بهذا أنجو!.
- وأمّا في حبّ شخصيّات الرّوايات، فإنّه الحبّ الذي ينمو بداخلي، ينمو طبيعيًّا وحقيقيًّا، وسُرْعان ما يُظلِّل بغيومه على من هُم حولي!. في حين أنّ مشاعر الكُرْه تصير مفهومة بالنسبة لي: أكره الطّبائع لا الأشخاص، بل وقد أتفهّم الناس من ذوي التّصرّفات السّيّئة لدرجة الإشفاق عليهم، وربما التسامح مع كثير من تصرّفاتهم!. يسهل عليّ تخيّلي وتخيّلهم في مواقف وظروف وتحت مشاعر وضغوطات متعدّدة، تسمح لهم بشيء من الغِلْظَة والزّلل!.