2022-04-15 | 02:42 مقالات

العالم الذي نعيش فيه

مشاركة الخبر      

الحرب مؤلمة.. وآلامها لا تنتهي عند توقف مدافعها، بل لا تنتهي حتى بعد رحيل من أشعلوها، من آثار الحرب أنها تهيئ لحروب أخرى، عكس السلام الذي يهيئ للتنمية والرخاء وحياة مديدة لا تخطفها ساحات المعارك، كنت أتمنى لو أن حلًا سبق الحرب بين أوكرانيا وروسيا، لكن كتب التاريخ تقول إن الحروب دائمًا ما تقع، وإنها فصل ثابت من قديم الزمان.
هذه الحرب تحديدًا كشفت لنا أمرين ولا ندري عما ستكشفه لاحقًا، أول الأمور أنها قد تكون أوسع من دولتين متحاربتين، وهذا ما سيندم عليه من سينضم لهما، حتى من سيبدو أنه قد انتصر سيدفع ثمنًا يقارب ثمن الهزيمة، والثاني أن الحريات الممنوحة في أوروبا بدت مثل قميص يرتدونه وينزعونه متى ما أرادوا، ذهبت تصاريح المسؤولين الأوروبيين المطالبة بالحريات أثناء ما سمي بالربيع العربي إلى ما يصلح أن يكون مشهدًا هزليًّا في مسرحية مضحكة مبكية. كانوا وطوال عقود يطالبون الحكومات العربية بمزيد من الحريات ومزيد من الانتخابات، وعند المحك الحقيقي الأول تفننوا في قمع الرأي الآخر. أما الانتخابات فلا ندري أي حرية انتخاب هذه التي لا تُخرج وطوال أكثر من مئة عام إلا واحد من اثنين لا ثالث لهما، سواء الديمقراطيين أو الجمهوريين في أمريكا أو المحافظين أو العمال في بريطانيا.
أقل مفهوم فطري نعرفه عن الحرية هو أنت وشأنك وأنا وشأني، وفي الشامي الدارج: صباح الخير يا جاري أنت بدارك وأنا بداري، فلماذا لا يؤمنون أن ما يصلح لهم ويقبلون به قد لا يصلح لغيرهم ولا يقبلون به، لماذا يعتبرون مثلًا أن عدم السماح بالشواذ وزواج المثليين قمع للحريات؟ لماذا وهم حملة شعلة الديمقراطية لا يعتبرون تطبيق غيرهم لشريعة الدين الذي يؤمنون به من الحقوق الديمقراطية تمارس على أرض بعيدة وليست أرضهم، وأنا بداري وأنت بدارك؟ لماذا يريدون أن يكون الإطار الديمقراطي المناسب لهم والذي فصّلوه لأنفسهم مناسبًا لكل العالم في الوقت الذي يتألف فيه العالم من قارات وشعوب وديانات مختلفة؟ يحق لهم أن يفعلوا في دارهم ما يشتهون طالما أنهم في دارهم، دون أن يفرضوه على غيرهم في دارهم. أقل ما أصف فيه الغرب أنه وصل إلى حالة مرتفعة من الثقافة والصناعة والأدب، ونحن بطبيعة الحال يهمنا أن نكتسب منهم كل ما هو مفيد لنا، على أن نختاره نحن لمعاييرنا لا أن نأخذ ونقبل بكل وأي شيء، وهذا الأمر يحتاج إلى اكتفاء في العديد من الأساسيات سواء في الصناعات أو التقنية أو في الغذاء الاستراتيجي، هذه ليست دعوة للانزواء، لكن العالم الأول صناعيًا وتقنيًا لديه منطق عجيب ومتناقض، كما أن الأمة القوية هي الأمة المكتفية والمتحررة اقتصاديًا وصناعيًا وثقافيًا.