نظارة ونظر
منذ مدة بدأت أعاني من صعوبة في قراءة الكلمات الصغيرة على علب المنتجات الغذائية، لم أكن أهتم للسعرات الحرارية عندما كنت في العشرينيات وحتى الثلاثينيات، كنت أميل حينها إلى أن الشباب الذين يهتمون بنوع الأطعمة والسعرات الحرارية معقدون، وأنهم يخوضون في أمور لا تستحق، أما الآن فصرت أفعل على مبدأ أن تصل متأخرًا خير من ألا تصل، والحقيقة أن اهتمامي الحديث بالصحة أساسه تجنب المتاعب المستقبلية التي تسببها فوضى الطعام، ولكي لا أتعب أبنائي في رعايتي ولا الأطباء في علاجي، أعود للنظر.. صرت أحيانًا استعين بابني ليقرأ لي الكلمات الصغيرة على المنتجات، ثم قال لي بعد أن كررت الطلب: متى آخر مرة قمت فيها بفحص نظرك؟ كان يريد أن يقول بأنني قد أكون في حاجة لنظارة، أجبته بأنني جددت رخصة القيادة قبل ثلاثة أشهر وأن نظري جيد جدًا، وأن ضعف قدرتي على قراءة الكلمات الصغيرة من عوامل الزمن التي لا نستطيع معها فعل شيء، هكذا هو (باكيج) الحياة، ومن الأفضل لنا أن نكون راضين، لأن عدم الرضى لن يغير من النتيجة شيء، تساعد النظارة كثيرًا لكنها لا تعيد قوة النظر الذي كان في يوم ما أشبه بنظر البومة. بالمناسبة.. تشبيه مستوى النظر الممتاز بقوة نظر البومة فيه ظلم للبومة، فما قرأته أن نظر البومة أقوى من نظر الإنسان بـ 100 مرة، ولا أعتقد أن البومة ستوافق أن تكون مضرب مثل بسبب التفاوت الواضح بين نظرها ونظر الإنسان، عندما قرأت عن قوة نظر البومة فهمت سبب قدرتها على الصيد في الظلام، فالواضح أن الظلام بالنسبة لها كالنهار بالنسبة لنا. كانت هذه المعلومة مما قرأته في الأيام الماضية وفتحت لي باب التفكر الذي كثيرًا ما أنساه مغلقًا.
عندما يتفكر الإنسان في المخلوقات من حوله يكتشف أن هذا العالم أعظم مما يتخيله أو وصل إليه عقله، وأن ما حققه الإنسان وما سيحققه من تطور هو مجرد أشياء لا ترى بالعين المجردة أمام عظمة خلق الله، قبل بداية رمضان وأنا أقرأ في كتب متخصصة عن عالم الحيوان والأرض لكي أستخلص بعض الأسئلة لبرنامج المسابقات الذي أقدمه في الإذاعة مع زميلتي هيفاء حسن، وكلما قرأت أكثر كلما زاد تسبيحي لله، وصغر إعجابي بما صنعه المخلوق أمام صنع الخالق، قرأت أن العنكبوت يستطيع البقاء في الماء عدة ساعات دون أن يتنفس، لأنه يُدخل نفسه في حالة غيبوبة طوال بقاءه داخل الماء، ثم يستفيق منها في الوقت الذي يحدده، ويتخاطب الفيل بعدة لغات منها عبر الخراطيم، وبلغة الصوت المنخفض الذي لا يسمعه الإنسان، تخيلوا أن أكبر مخلوق بري يصدر صوتًا رقيقًا يعجز الإنسان عن سماعه، كما أنه يتخاطب بلغة الجسد خصوصًا اذا ما كان حزينًا أو سعيدًا. وبلغة اللمس والرائحة، ولغة اهتزازات الأرض التي يحدثها عبر ضرب الأقدام بالأرض. نحن نظن بأن وسائل التواصل التي ابتكرناها حديثًا هي أحدث تواصل على الأرض، دون أن نعرف أنها موجودة عند الأمم الأخرى التي تعيش معنا على الكوكب وبصورة لم يصل إليها العقل. أنا ومن هم مثلي في حاجة للقراءة دائمًا عن صنع الخالق عز وجل لكي نتفكر، ولكي تبدو لنا الحياة أوضح، وأن ما يلهينا ويعجبنا مما صنعه الإنسان لا يعدو أن يكون شيئًا يذكر أمام خلق الخالق.