2022-04-19 | 00:59 مقالات

اليوتيوب والتلفزيون

مشاركة الخبر      

قبل عشر سنوات تحديدًا، ظهرت مجموعة من الشباب على يوتيوب، قدموا برامج اجتماعية بقالب كوميدي. كان تصويرها بسيطًا، وتكلفتها قليلة، بكاميرا واحدة مع إضاءة جيدة، إن وجدت.
حققت هذه البرامج نجاحًا مليونيًّا عند مشاهدي موقع الفيديوهات الشهير، وأصبح مقدموها “مشاهير يوتيوبيين”، وكان هذا المسمَّى جديدًا في الإعلام. كان تقديمهم ناجحًا، وموضوعاتهم في برامجهم القصيرة قريبة من الناس، وعملوا ضمن فضاء جديد غير تقليدي، ما سمح لهم باستخدام مفردات لم تكن صالحة للاستخدام التلفزيوني. ما حصل أن معظم هذه الأسماء، وبعد سنوات قليلة من النجاح، اختفت لأنهم ارتكبوا خطأً كبيرًا في حق أنفسهم عندما قبلوا العروض التلفزيونية، وتناسوا أن التلفزيون تلفزيون، ويوتيوب يوتيوب، وهما عالمان مختلفان. أهم هذه الاختلافات أن اليوتيوبر يدير إنتاجه الصغير بنفسه، ويتحكم بالمحتوى دون تدخل من غيره، إضافة إلى مدة الحلقات القصيرة على يوتيوب، التي تتيح للمقدم السيطرة عليها، في حين أن التلفزيون حكاية ثانية ومختلفة نهائيًّا عن واقع يوتيوب، لذا كان معظم تجارب اليوتيوبيين، الذين انتقلوا إلى التلفزيون، إما غير ناجحة، أو لم تحقق لهم ما كانوا يأملونه عندما اعتقدوا أن توجههم إلى التلفزيون خطوة للأمام، بينما كان خروجًا عن المسار الذي نجحوا فيه.
خطأ آخر، وهذه المرة ارتكبته المحطات التلفزيونية عندما طمعت بجماهيرية اليوتيوبيين، إذ لم تقدمهم، على أقل تقدير، بما كانوا عليه من أسلوب تقديم، وما يعرضونه في يوتيوب، بل قدمتهم في برامج عريضة، أو حوارية طويلة المدة، وفي قوالب لا تشبههم، وهذا الأمر قد ينجح مع القلة منهم فقط، لكنه لا ينفع مع الأكثرية. كان الأمر أشبه بالزج بلاعبي كرة سلة ماهرين في مباراة لكرة القدم. اليوم أرى أنه يجب على كل مَن لديه الموهبة والقدرة على تقديم محتوى إعلامي التوجُّه إلى يوتيوب، لأنه فضاء أوسع، ويتحمَّل الجميع، وليس فيه عدد محدَّد من المقدمين، كما هو الحال في القنوات الفضائية، أو برامج ذات أفكار معينة مسبقًا، كما أن يوتيوب الآن أنفع لمقدم المحتوى، كونه يمتلك هذا المحتوى، بالتالي يحصل على المردود المالي لنفسه، في حين أن كل ما يقدمه على شاشة التلفزيون هو ملك المحطة فقط.
لن يأخذ التحول إلى يوتيوب بوصفه مصدرًا أوَّل للمادة الإعلامية وقتًا طويلًا، فقبل عشر سنوات كان يوتيوب يقف بمسافة عن التلفزيون، أما الآن فصارت غالبية البرامج تنتج لتقدم على يوتيوب، والأكثرية من مشاهير الإعلام هم يوتيوبيون، وليسوا مقدمي برامج تلفزيونية.
من جمال يوتيوب، أن أرقام مشاهداته حقيقية، بخلاف القنوات الفضائية التي تدعي كلها أن مشاهدة برامجها هي الأكثر، وستبقى هذه الادعاءات مستمرة طالما لا توجد آلية حقيقية لمعرفة الساعات الأكثر مشاهدة.