خطر الدرعمة!
الـ “سوشال ميديا” تمتلئ بالنصائح التي تدفع الشخص إلى ترك الوظيفة، والبدء بعمل خاص، ويضع بعض الناصحين أنفسهم مثالًا على نجاح القرار الذي اتّخذوه عندما غادروا الوظيفة، وكسبوا ماديًّا أكثر من راتبها بأضعاف مضاعفة.
مشكلة هذه النصيحة أنها عامة، وهذا هو الخطأ فيها، فهي لا تفرِّق بين قدرات الناس في دخول معترك السوق الشرس، ولا تُوجَّه إلى أشخاص ذوي مهارات محددة، يحتاج إليها السوق، هي تقول فقط: أترك الوظيفة، واتّجه إلى السوق، وستحقق الأرباح. إذا كان الأمر بهذه السهولة، فلماذا خسر كثيرٌ من الناس الذين طبَّقوا سابقًا هذه النصيحة؟ لماذا خسر الكثيرون في متاجرهم الإلكترونية مع أنها تعدُّ سوقًا جديدة قياسًا بالأسواق والمحلات التقليدية؟
كل المشروعات، سواء الصغيرة، أو الكبيرة، تتطلَّب المعرفة والتعلم، ومَن لا يتعلَّم، ولا يكتسب المهارات قبل دخول السوق، سيدفع ثمنًا قد يكلِّفه أكثر مما يستطيع تحمُّله، وقد تكون خطوته غير المدروسة مفترق طرق للاتجاه نحو الأسوأ! كنت أتمنى من الناصحين أن ينصحوا الموظفين الراغبين في العمل بالتجارة بالتعلم، واكتساب المهارات التجارية أثناء مزاولتهم وظائفهم، وقبل حثهم على تركها. كذلك من الأصح أن يقولوا لهم: إن التجارة اليوم تتطلَّب أن نتعرَّف على علومها، وأساسيات نجاحها من دراسة السوق، والفكرة المناسبة، والإدارة، والمحاسبة حتى لو كان المشروع فرديًّا. ولو لم تكن هذه المعرفة ضرورية، لما أقيمت كليات ومعاهد متخصِّصة بالتجارة.
شخصيًّا، وقبل سنوات، خضت تجربةً دون أن أتعلم، وقبل أن أتعرَّف على التفاصيل، فدفعت ثمن “درعمتي” غاليًا، واحتجت إلى مدة من الزمن حتى أتشافى مما وقعت فيه! صحيحٌ أنني كسبت التجربة، لكنني دفعت ثمنها، والمؤلم أكثر أن هناك مَن لم يكن قادرًا على دفع ثمن الفشل، فماذا كان مصيره عندما فشل مشروعه؟
التجارة موهبة مثلها مثل بقية المواهب، والجيد أن اكتسابها ممكنٌ، لكن من خلال التعلم على أرض الواقع قبل التفرغ، أو صرف الأموال، وليس من المنطق أن يضرب أحد مثالًا بنفسه، إن كان قد حقق نجاحًا في تجارة ما، ويفترض أن بقية الناس مثله، فيقوم بنصحهم دون أن يبيِّن لهم المتطلبات الضرورية للنجاح! قد يكون موهوبًا، وقد يكون هناك مَن هم أذكى منه، وسيحققون نجاحًا أكبر، لكن المؤكد أن هناك أشخاصًا لا يملكون العلم والمهارة، وسيفشلون، وستكون الوظيفة أفضل لهم.
لو نظرنا للحياة، سنجد أن القدرات تتفاوت بين الناس. قد تكون قدرتي في العمل بوصفي محاسبًا كبيرة، لكن قدرتي في الفكر التجاري ضعيفة، وقد تكون قدرتي في كتابة الشعر أفضل من أستاذ لغة عربية في الجامعة، لكنني لا أعرف كيف أعلِّم الشعر للتلاميذ مثل الأستاذ. أنا مع دخول عالم التجارة، لكن بعد دراية، وصبر على التعلم، على أن يكون هذا التعلم جهدًا إضافيًّا، أقوم به أثناء وجودي في وظيفتي التي لن أتركها حتى أتأكد أن المشروع بدأ يحقق النجاح والأرباح، وصار التفرغ له ضرورة.