سيتبعونك عندما تنجح
قبل 15 عامًا، كنت أحلم بامتلاك أرض في الصحراء، تبعد عن المدينة عشرات الكيلومترات، أزرع فيها النخيل والفواكه والخضراوات، وأحوِّلها إلى واحة نموذجية، فيها معظم ما توصَّل إليه الإنسان مطلع الألفية الثالثة من تطور يخدم الإنسان.
كنت مدفوعًا بهذه الرغبة للدرجة التي جعلتني أعتقد أن ما أحياه في المدينة مؤقتٌ، لم أُعْجَب بكل الأبراج السكنية الحديثة التي كانت تبنى، ولا بجمال “لوبيات” فنادق الـ “5 نجوم” وتصاميمها الهندسية الساحرة، ولا بجمال الشواطئ ورمالها الناعمة، لأنني اعتقدت منذ أن فكرت بتنفيذ حلمي، أن جمال المكان الحقيقي الذي سأشعر به، يوجد في تلك الأرض الخضراء بنخيلها الباسقة، وثمارها الذهبية. لم تكن أمنيتي مشروعًا تجاريًّا، بل اختيارًا لأسلوب حياة، قررت أن أعيشه، على أن يسدَّ المحصول التكاليف. هكذا رحت أخطط، وأرسم ما في الخيال على الورق، وأحسب تكاليف البداية التي ستكون صغيرةً لكنها ستكبر. توصَّلت إلى أجهزة، تحصل على مياه الشرب النقية من الهواء، وهي الأجهزة نفسها التي تزوِّد طواقم البواخر بالماء، أما الكهرباء فمن خلال الطاقة الشمسية. زرت شركات متخصِّصة في الطاقة الشمسية، وتعرَّفت على أنواع متعددة من ألواح هذه الطاقة، وعلى عدد من الماكينات التي سأستخدمها في الآبار. اتَّفقت مع نفسي على أن الزراعة ستكون بطرق متعددة، منها الزراعة المائية، أما الإنترنت، فإن لم تكن هناك شبكة للتغطية، فعبر الاشتراك بالأقمار الصناعية.
أتذكر أن تكلفة الإنترنت الشهرية كانت أكثر من الاشتراك الشهري العادي، لكنها كانت معقولة. كان الخيال يصوِّر لي جهدًا يوميًّا عليَّ بذله بمساعدة عدد محدود من العمال، لكنه يعدني بساعات هدوء وليال قمرية. كنت أرى الطيور وهي تشرب من مياه المزرعة، وحصدي محاصيل متعددة، أما النخيل، الذي اخترت أنواعه بعناية، فكان عزيزًا عليَّ حتى وهو في الخيال.
اليوم وأنا أتذكَّر هذه الأمنية، وأتساءل عن الأسباب التي منعتني من تنفيذها، أصل إلى نتيجة أن أكثر من سبب كان وراء ذلك، الأول أنني كنت أقول رغبتي لأصدقائي والمحيطين بي، وكانوا من النوع الذي يستنكر مثل هذه الأفكار، ويعدُّونها ضربًا من العبث، خاصةً أحد الأصدقاء، الذي كان ينتقد توجهي، وينصحني بالابتعاد عن مثل هذه الأفكار القديمة، كما كان يضع أمامي المعوقات التي ستحول بيني وبين تحقيق رغبتي. كنت أناقشه وأعطيه حلًّا لكل ما كان يعتقده أنه عائق، يقف أمام تنفيذ هذه الرغبة، فعالم اليوم متطور، وهناك مَن فكَّر، وأوجد حلولًا صالحة. أما السبب الثاني، فهو أن الحياة في المدينة متطلِّبة، وتسرق وقت وتفكير الإنسان دون أن ينتبه إلى ذلك. كان هذان المؤثران من أسباب تأجيلي هذه الرغبة، لكنَّ السبب الرئيس يكمن في ضعفي أمام تأثير السببين، لأنسى مع الأيام ما كنت أحلم بتحقيقه.
قبل أيام وعلى يوتيوب، شاهدت شخصًا، نفذ ما كنت أرغب في تنفيذه. سأله مقدم البرنامج إذا كان قد واجه أي عوائق، فأجاب: لم أصادف عوائق بمعنى عوائق، كان هناك بعض ما اعترضني، وكنت أتجاوزه مع الوقت والعمل، لقد وصفني بعض مَن أخبرتهم بمشروعي قبل أن أبدأ بالمجنون، لكني لم أستمع إليهم، والآن يسألون إن كنت سأوافق إذا عرضوا عليَّ الشراكة.