المستقبل الذي توقعته!
تأكدت أن العالم أصعب من أن أفهمه لمجرد أنني أحد الساكنين فيه، أو على الأقل أن أتوقع شيئاً صحيحاً عن مستقبله القريب، يبدو أن دارسي التاريخ هم أفضل من يتنبأ بالمستقبل، لأنهم يعرفون ما يخبئه الماضي للمستقبل، أما أنا ومع ولعي بالتاريخ إلا أنني لم أدرسه، وهذا ما جعل من توقعاتي تبدو بسيطة، ومن تفكير بسيط، هذا الاستنتاج عن نفسي جديد بالنسبة لي.
قد يكون استنتاجاً متأخراً، لكنه أفضل من الغرور، الذي كنت أعيشه، فأنا لم أتردد يوماً من أيام كورونا بالتنظير عن مرحلة ما بعد كورونا، كنت أعتقد أثناء الجائحة أن دول العالم تنتظر الخروج من كورونا لكي تتعافى اقتصادياً، وأن بعض الدول ستعتذر من دول أخرى لأنها خزنت اللقاحات الفائضة في الوقت الذي كانت فيه دول بحاجة لها، وأن العالم بعد الجائحة سينشغل في تنمية الاقتصاد بتفعيل الشراكات الاقتصادية، وستكون الفترة التي تلي الجائحة فترة عمل وتعويض عما لحق من خسائر كورونية، لذلك ستزهر الأسواق وتمتلأ بالسلع، وتنتفخ الجيوب، توقعت عالماً أفضل وأكثر تلاحماً بعد كل الدروس القاسية من كورونا، للأسف كل ما توقعته كان خاطئاً، ولم أكن أتصور بأن جزءًا من العالم على موعد جديد من القلق والمشاكل الاقتصادية، وأزمة غذاء قد تكون شديدة الألم، هذه المرة ليست خوفاً من جائحة، بل من السيناريو الحاصل الآن بين روسيا وأوكرانيا، وكل الدول المشاركة بصورة تبدو غير مباشرة لغاية الآن، فجأة نسيت بعض الدول الكبرى جائحة كورونا قبل أن تنتهي، ليفتحوا باباً لا أحد يعرف كيف سيغلق. كنت أعتقد بأن الحرب العالمية الثانية ستكون آخر الحروب الكبرى في كتاب التاريخ الحديث، كان آخر ما أفكر فيه هو أن حرباً عسكرية كبرى قد تقع في زمننا هذا، حيث اعتقدت أن حروبه الكبرى لا تكون بالأسلحة، بل بالحصار الاقتصادي والمقاطعة، لكني بدأت أقرأ الآن أن جزءًا جديداً بدأ يتشكل عنوانه الحرب العالمية الثالثة، وأن حرب روسيا وأوكرانيا هي صفحتها الأولى، ومع أنني آمل أن تكون كل هذه القراءات خاطئة، إلا أن مجرد قراءتها أمر مزعج ومخيف، ازدادت مخاوفي عندما قرأت قبل أمس أن الصين نفذت مع روسيا طلعات جوية استراتيجية فوق بحر اليابان وشرق بحر الصين، وازدادت مخاوفي أكثر عندما صرح بايدن بأن الولايات الأمريكية ستتدخل عسكرياً إذا غزت الصين تايوان. مشكلة هذه الحرب بالاضافة لأنها حرب أن أطرافها من أصحاب القنابل النووية، ومن يدري فقد يلقي طرف قنبلته عندما يشعر بأنه يهزم عسكرياً. كنت أشاهد قبل أيام برنامجاً حوارياً عمّا يدور في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، قال ضيف البرنامج: لماذا أنتم مستغربين من هذه الحرب.. فهذا العالم منذ ألفي عام لم يشهد إلا ثلاثمئة عام من الهدوء والسلام، أما في بقية الأوقات فكانت هناك حرب ما في مكان ما.