2022-08-22 | 23:48 مقالات

السفر على الورق

مشاركة الخبر      

ما زلت أتذكر موضوع التعبير الأول عند بداية كل عام دراسي جديد: أين قضيت إجازة الصيف؟ وفي كل مرة، نحن أغلب الطلبة، كنا نكذب، نملأ الورقة بحكايا السفر، وما صادفنا من مواقف، ونصف المناظر الطبيعية الجميلة، التي تنعمنا بها طوال الصيف، لم يكن بد من ذلك، لأن فعاليات الحارة مجرد لعب كرة القدم.
وقد نضيف نشاطًا آخر حسب (ترند) ذاك الزمن، وهذه فعاليات لم تكن تملأ صفحة التعبير، كما أنها غير مثيرة، وليست مطلوبة، ولم تكن تجيب على الغاية من السؤال الذي يبدأ بـ: أين؟. كان بعض المعلمين يناقشون تفاصيل ما كتبناه عن البلد الذي سافرنا إليه، وكنا نمسك ضحكاتنا في كل مرة يُجيب فيها أحدنا عن تفاصيل الرحلة التي قضاها برفقة عائلته. كنا نتابع تعابير وجهه وهي تتغير بعد كل سؤال مفاجئ من المعلم، ومحاولات الطالب في خلق الأجوبة دون ارتباك. كان تعليمًا معلبًا، ولست أنكر حسناته، لكني تمنيت لو أنه كان أكثر انفتاحًا وواقعية، وتمنيت لو استبدل موضوع التعبير الأول بعد إجازة الصيف بـ: ما هي الأنشطة التي مارستها في الإجازة، على الأقل لزرع مفهوم أن الإجازة فرصة لممارسة الأنشطة وتعلم ما هو مفيد. عمومًا لكل زمن تعليمه، ولا أدري إن كان عقلي ظالمًا لذاك الزمن، ومع ذكريات جميلة عن بعض المعلمين الذين علمونا بكل طيبة وإخلاص للمهنة، إلا أن ذاكرتي تحتفظ بصورة العصا التي كانت ترافق المعلمين وهم ينتقلون من فصل إلى آخر، ومشاهد بكاء الأولاد وهم يمسحون كفوفهم بخطوطها الحمراء، إثر تلقي الضربات عليها. اكتشفت مؤخرًا أن موضوع التعبير عن إجازة الصيف موضوع عالمي، ويُطلب من الطلبة في دول كثيرة، فقبل سنوات قليلة عُمم في بريطانيا قرار على جميع المدارس: لا تسألوا الطلبة أين قضوا إجازة الصيف، لأن السؤال يظهر الفوارق في المستوى المالي عند عوائل الطلبة، كما أنه يحبط بعض الذين لم تتمكن عوائلهم من السفر. ثم تم تعميم آخر: لا تسألوا الطلبة الأطفال عن نوع الهدايا التي تلقوها من سانتا كلوز في كريسماس، لأن بعض الأطفال لا يتلقون هدايا ثمينة من أهاليهم، الأمر الذي جعلهم يتساءلون: لماذا أحضر سانتا الهدايا الثمينة لهم، وأحضر لي هدية رخيصة. اليوم عندما أرى كيف تغيرت طرق التعليم، وكيف يتم التركيز على الفهم، لا على الحفظ، أشعر براحة شديدة، لأن في هذا المفهوم إنقاذًا للذين لا يملكون موهبة الحفظ التي يمتلكها الذين كانوا في زمننا يتصدرون المراتب الأولى في نتائج الاختبارات. كان أحد زملاء الفصل الدراسي يعاني من سوء الحفظ، مع أنه كان طالبًا محبوبًا، إلا أن نتائجه في الاختبارات كانت ضعيفة، رسب عدة سنوات، وخرج من المدرسة مبكرًا خروجًا نهائيًا، ولم أتفاجأ عندما علمت مدة طويلة أنه صار رجل أعمال ناجح، لأن الحياة تتطلب الفهم لا الحفظ. عام دراسي جديد سعيد أتمناه لأبنائنا.