2022-09-08 | 23:05 مقالات

عصر القيمة

مشاركة الخبر      

ـ عندما أفكر في أسباب النجاح الكبير لمحمد عبده أجد أن الأمر متجاوز عذوبة الصوت، فالأصوات العذبة ليست قليلة، لكنها لم تحقق نجاحه إذا ما استثنينا الراحل الكبير طلال مداح.
كان محمد مجددًا، وقدم أعمالًا مليئة بالقيمة الفنية على مستوى اللحن والكلمة والأداء، واستمر على هذه الحال، فلم يكن هناك زمن، منذ أن بدأ الغناء، لم يكن فيه مع طلال ألمع نجومه، عندما أشاهده في بروفاته الطويلة، التي تستمر ساعات، ولعدة أيام أعرف أسباب تميز حفلاته، وأعرف لماذا لا تقل حفلاته عن مستوى أسطواناته لا في نقاوة الصوت ولا في الأداء أو التوزيع الموسيقي، ولا شك أنه مدرسة فنية ليس في نجاحاته على مستوى الأغاني التي يقدمها، بل على مستوى الاستمرار بالنجاح والحفاظ على لمعانه، لأنه يدرك أن الفن من جوانب أخرى صناعة، وللصناعة معايير نجاح وفشل، وتحديات ومنافسة، أدرك مبكرًا أن الأغنية قيمة مهما كانت المرحلة، لذلك تبدو كل أغانية القديمة جديدة، هذا جزاء من يراهن على القيمة.
ـ يقول جالك ويليش، الرئيس السابق لمجموعة جنرال إلكتريك (نحن في عصر القيمة، إذا كنت غير قادر على بيع منتج ذي جودة عالية للغاية، بأقل سعر ممكن على مستوى العالم فستخرج من السباق)، كان أمام الصناعة اليابانية صناعيون كبار بتاريخ طويل، كان الألمان والإنجليز والأمريكان أسيادًا، وعرف اليابانيون أن نجاحهم لا يكمن في تقديم منتجات بمستوى المنافسين، لا بد أن يضعوا إضافاتهم مع أقصى جودة ممكنة، هكذا دخلوا ومن لاعب جديد مبتدئ إلى عملاق الحداثة بالجودة المضمونة، حتى أصبح الزبائن المعجبون بمستوى صناعتهم أكبر مسوقين لهم، يكفي أن تعرف اليوم أنها (صناعة يابانية) حتى تضمن أنك دفعت مقابل ما يستحق. يسمي أحد الأصدقاء السيارات اليابانية بـ (الشيك) أي أنها لا تفقد قيمتها ومرغوبة دائمًا.
ـ أكثر المنتجات انتشارًا ليست هي الأكثر ربحًا، لا تبيع شركات الساعات الثمينة إلا عددًا قليلًا قياسًا بالشركات التي تبيع ساعات منخفضة الثمن، لكنها طموح كل من يحب الساعات، لذلك تحقق أرباحًا أكثر. الأمر نفسه في محلات الملابس، يبيع أحد المحلات عشرات القطع، لكنها بالكاد تحقق أرباح قطعة واحدة من محل ملابس ذي جودة عالية. في السينما كذلك، يقدم أحد المخرجين عشرات الأفلام دون أن يحصل على نجاح واضح، ويقدم آخر فيلمًا واحدًا كل عدة سنوات يدخله التاريخ في كل مرة. أرجو ألّا يحفز هذا المقال الزملاء في “الرياضية”، فيبحثون عن كاتب بديل عني ذي قيمة أعلى!