انتصرت
النون
في الوقت الذي كنت أنتظر فيه الإجابة عن سؤالي في مقالي الماضي حول ما نرجوه من صقورنا الخضر في المونديال العالمي، جاءت الإجابة من رائد الشباب وقائدهم، الذي برهن في غير ذات مرة على أنه قريبٌ دائمًا منهم، ومدركٌ لآمالهم وتطلعاتهم، لكنَّ تلك الإجابة من وجهة نظري ظلمتها “مانشيتات” الصحافة عندما اختزلتها بعبارة “استمتعوا”.
المتأمل لرسالة سمو ولي العهد للاعبي الأخضر، يجد أنها رسمت خارطة طريق، تحمل أهدافًا واضحة، وتحدِّد ملامح المشاركة العالمية المرتقبة، فعندما يقول: “استمتعوا بالمباريات الثلاث”. نجد في ذلك رسالةً واضحةً، عنوانها الواقعية، حيث إنَّ سموه يدرك مدى صعوبة المجموعة بحكم ثقافته الرياضية الغزيرة، وأنه من غير المتوقع أن يلعب المنتخب أكثر من هذه المباريات الثلاث. وفي عبارته الأخرى: “لا أنتظر منكم فوزًا، أو تعادلًا”، يؤكد سموه أن خسارة المباريات الثلاث، إن حدثت، فلن تكون نهاية العالم. ويختتم سموه حديثه بالرسالة الأهم: “العبوا لعبكم، وقدموا ما عليكم”، وهنا يعلم سموه تمامًا أن الروح العالية، والقتال من أجل الشعار، يطغيان في بعض الأحيان على الفوارق الفنية، لذا تلخَّصت رسالته لهم في معانٍ ثلاث: “الواقعية.. الأمل.. التفاؤل”.
وبعيدًا عن الأخضر، لا يختلف اثنان على أن دورة الألعاب السعودية، المقامة هذه الأيام، هي تظاهرةٌ اجتماعيةٌ مهمةٌ قبل أن تكون رياضية، فنحن نغرس في ثقافتنا القدرة على تنظيم الأحداث العالمية، إضافةً إلى إيماننا الكامل بأن مجتمعنا يزخر بالمواهب القادرة على صناعة تاريخ عريق لهذا الوطن الغالي، مجسِّدين بذلك شعار هذه الدورة خير تجسيد: “بيننا أبطال”.
أذكر أنه في الوقت الذي اعتزلت فيه الكتابة الرياضية، لم يكن مسموحًا لجنس النون، وأعني بذلك السيدات، بدخول المنشآت الرياضية، فما بالك اليوم بممارسة الرياضة على مرأى ومسمع الجميع، ناهيك عن المنافسة في المحافل المحلية والدولية، في إشارة واضحة إلى أن رؤية المستقبل لا يمكن لها أن تكتمل إلا بالاعتراف بأن المرأة نصف المجتمع، إن لم يكن المجتمع كله.
أعلم تمامًا أننا ما زلنا في بداية الطريق، وأن الرياضة النسائية السعودية ستحتاج إلى كثير من الوقت لتنافس خارجيًّا، لكنني لا أستطيع أن أخفي سعادتي وأنا أرى هذه وتلك تحقق ذهبيةً هنا، وأخرى هناك في أكثر من لعبة رياضية، ليكون لهن اسمٌ في سجل الأبطال، شأنهن في ذلك شأن ذلك البطل الذي نال من الفرص ما لا يعدُّ ولا يحصى، وأخشى ما أخشاه أن نجد أنفسنا معشر الرجال مجرد مدرَّج، يصفق لهن على بطولاتهن وإنجازاتهن، مردِّدين: انتصرت النون.