2023-02-07 | 23:25 مقالات

تفاصيل..

مشاركة الخبر      

قيل عن أفضل المهنيين بأنهم مصابون بالوسواس لكثرة ما يدققون بالتفاصيل، وأنهم يُزعجون من يعملون معهم لكثرة طلباتهم، وأن العمل معهم مُتعب، والحق أن هؤلاء المدققين بالتفاصيل إنما يلاحقون عملهم بإخلاص، ولا علاقة لهم بالوسواس، فكل عمل عبارة عن مجموعة تفاصيل يجب الاهتمام بكل تفصيل فيها، لهذا يأخذ المُنتج الممتاز وقته الكافي من العمل أيًا كان نوعه، وكل محاولة للاستعجال تأتي على حساب الجودة.
هكذا هي الأمور ولن تكون غير كذلك، فأجمل المنتجات تم الاهتمام والعناية بتفاصيلها، نفضّل منتجات على أخرى لأنها لا تتشابه بالجودة. شاهدت فيديو مدته عدة دقائق عبارة عن مجموعة مقاطع كوميدية تم تجميعها من الإنترنت، ذكر لي المعد بأنه استغرق في تجميع هذه الفيديوهات ثلاثة أشهر من البحث لكي تظهر جميع الفيديوهات بهذا المستوى المتناسق والمناسب للنص المكتوب، الفيديو حصد ملايين المشاهدات بعد شهر واحد من طرحه، وشاهدت فيلمًا وثائقيًا عن شركة متفردة بصناعة عصي البلياردو، كانت واضحة أسباب تميزهم لأنهم يعملون بحرفية يُحترمون عليها، أحببت عملهم لدرجة وودت فيها أن أشتري منهم مع أنني لا ألعب البلياردو، إنما أردت اقتناء تحفتهم الفنية. في عالم الإتقان لا يهم عدد الأعمال، بل يهم مستواها، وإن كانت قليلة، بل وإن كان عملًا واحدًا، لكنه مُقدم بصورة فائقة، في عالم السينما يكفي المخرج السينمائي فيلم واحد عظيم ليبقيه في الصفحة الأولى من سجلات السينما، لكن هذا الفيلم لن يُصنع دون عناية بأدق التفاصيل، أعجبت بفيلم العراب الأول، وأعدت مشاهدته عدة مرات، وعندما تساءلت عن سبب تكراري مشاهدة قصة صرت أحفظها، اكتشفت بأني مغرم بتفاصيل العمل، ابتداءً بأماكن التصوير والأثاث وملابس الممثلين، وانتهاءً بأداء الممثلين الأسطوري، وانتهاءً بالإخراج الذي لم يضعف طوال الفيلم. العمل المتقن أيًا كان هو عمل للزمن الحالي وللمستقبل، لذلك تتحول بعض المنتجات المصنوعة القديمة إلى (أنتيك) ثمين لا تقل قيمته كثيرًا عن المنتج الجديد، بل إن بعض القديم أغلى ثمنًا من الجديد. المهتمون بالتفاصيل تلقى أعمالهم نجاحًا ينعكس على شخصياتهم وتقدير الناس لهم، لكنهم يدفعون ثمنًا كبيرًا من الصبر ومن عدم تفهّم بعض المحيطين.
ـ هنري فورد: الجودة تعني أن تؤديها على وجهها الصحيح حين لا يراقبك أو يراك أحد.