أمثال
الحياة
الأمثال حكمةُ الشعوب، وعصارةُ تجاربَ طويلة، حصلنا عليها بالمجان، وهي للعاقل خريطةُ طريق، لكنَّ كثيرًا من البشر لا يتنازلون عن عنادهم، ويحاولون تأسيس تجارب جديدة، فيدفعون ثمنًا جديدًا لأمر سبق وتم دفع ثمنه، وقُدِّم لنا على شكل أمثال بمفردات بسيطة، أي أن بعضهم يصرُّ على أن يجرّب، ويدفع من “كيسه” مع أنه متاحٌ بالمجان!
عندما خضت تجاربي، توصَّلت إلى نتائج، اعتقدت أنها جديدة، فانتفخت زهوًّا بحكمتي، متحمِّلًا تكلفتها الباهظة، لكنني وجدت نتائجي إما في الأمثال الشعبية، أو في مقولات قديمة، وحينها تأكَّدت من أنني إما لم أكن متنبِّهًا لمعاني الأمثال التي كنت أقرأها، أو أنني لم أكن أقرأ!
في العالم هناك أمثالٌ مشتركةٌ، فالمثل القائل “لا دخان من دون نار”، وجدته عند الهولنديين، ووجدت لديهم أيضًا هذا المثل الذكي الذي يوقظ انتباهنا لفهم نوعية مَن نتعامل معهم، أو الانتباه لقيمة مكاسبنا التي تبدو صغيرة “مَن لا يقدِّر الأشياء الصغيرة، لا يستحق الأشياء الكبيرة”.
الصناعات الإيطالية ليست سهلةً، صحيحٌ أنهم لم يشتهروا بالتكنولوجيا، لكنهم من أسياد الصناعات اليدوية، ولا يستطيع أحدٌ ألَّا يشير إلى تميُّز الملابس الإيطالية، أو الأثاث الإيطالي، أو سياراتهم الرياضية، وجميع هذه المنتجات قائمةٌ على مهارتَين، الدقة والصبر، ومن نتائج الدقة والصبر، جاء المثل الإيطالي “إن مَن يسير ببطئ، يسير بثقة، ويسير بعيدًا”. أفكر في زيارة إيطاليا، وسبق وقال لي أحد المصورين إن المدن الإيطالية عبارةٌ عن متاحف مفتوحة لما تضمُّه مبانيها من فنٍّ هندسي، ونحت عجيب، وعن الحب ومستواه، إليكم ما قاله الإيطاليون “تبدو الأخطاء كبيرة عندما يكون الحب صغيرًا”.
أذهب للأمثال الألمانية، ومعجزة الألمان الأولى، ليست في تفوُّقهم الصناعي، بل في كيفية نهوضهم من حطام الحرب العالمية الثانية، ويبدو أن لواقعيتهم يدًا في نهضتهم، ليس من أنقاض الحرب فقط، بل ومن أنقاض الحب أيضًا “في الحب والحرب كل شيء جائز”. وعن الواقعية، هذا المثل أيضًا “سنعبر الجسر عندما نصله”. ومع أن الصناعات لا تعترف إلا بلغة العلم، لكنَّ ذلك لا يلغي قدر الحظ وسطوته عند الألمان “أغبى المزارعين لديهم أكبر بطاطس”.
الأمثال اللاتينية عريقة، ومَن يقرأها يستطيع أن يلمح طبيعة حياتهم، والواضح أنهم يطيلون النقاشات فيما بينهم “النقاش الطويل يضيع الحقيقة”، وربما يؤدي ضياع الحقيقة إلى الخلافات، فيضيع السلام، أما الحل فهو “إذا أردت السلام فتأهب للحرب”. ما هو أكبر عدو لسكان أمريكا الجنوبية في أمثالهم الشعبية؟ إنه ليس عدوهم وحدهم فقط، بل وعدو الجميع الذي لن تصلح حياتك إن لم تنتصر عليه “الانتصار على الغضب انتصار على أكبر عدو لنا”.