صناعة
المخيّلة
ـ في كل شؤون الحياة ينتشر ما يُخدم إعلانيًّا، سافرت إلى مدن وبلدات رائعة غير معروفة، كانت أجمل وأكثر أمانًا وأقل تكلفة من بعض الأماكن الشهيرة، لكنها الدعاية التي تثير فضول الناس، وتفعل فعلها في مخيلتهم.
نحن نعرف الموناليزا لكن أكثرنا لا يعرفون أنها لوحة صغيرة وليست كما صُورت لنا أن حجمها أكبر من حقيقتها، القلة تعرف أن طولها 77 وعرضها 53 سنتيمترًا! الدعاية عن الموناليزا واللغز الذي أثير عن وجهها إن كانت مبتسمة أو حزينة جعلها شهيرة، وأكبر حجمًا، وجعل الناس يدفعون 17 يورو، للوقوف في الطوابير لمشاهدتها للحظات في اللوفر. الكثير ممن شاهدوا الموناليزا عبروا عن تفاجئهم بحجمها الصغير، وأتذكر تعليق صديقي الشامي عندما شاهدها عن قرب لأول مرة: العمى.. قد هيك صغيرة.. ليش بيصوروها إلنا كبيرة.. شو عم تضحكوا علينا؟!.
ـ سافر جاري إلى سريلانكا ودول تجاورها، وأهداني أنواعًا من الشاي، وعندما تذوقتها علمت بأني كنت محرومًا من الشاي، وأن ما كنت أشربه طوال سنوات لم يكن الأفضل لكنه الأكثر دعاية، استمتعت بشرب الشاي الفاخر مدة من الزمن، ولاحظت الضيوف من محترفي شرب الشاي يسألون عن النوع الذي أستخدمه. هذه الأنواع من الشاي المميز ليست مشهورة عندنا ومعظمها يعود لشركات إنجليزية. أهديت مما أهداني الجار بعض الشاي لصديق عرف بحبه الشديد للشاي، يشربه خمس وست مرات في اليوم، ولديه أنواع مختلفة من الأباريق أحدها من شرق آسيا، كان إبريقًا عجيبًا لأن لا صوت يصدر عندما يصب منه مثل بقية الأباريق. عندما تذوق ما أعطيته ابتسم وصمت لحظات ثم قال: يا أخي طلعت جاهلًا ومغرورًا.. تصدق كنت أحسب أني خبير في علوم الشاي.. طلعت لا خبير ولا شيء! لكن الكمية انتهت بعد مدة، ولم أكن حينها ممن يشترون عبر الإنترنت، حتى وجدت نفسي أسأل جاري: متى تسافر سريلانكا؟
ـ العطور عالم بحجم المحيطات، وكلما تبحرت في عالمها تكتشف بأنك لم تكتشف منها إلا القليل، وكنت إلى ما قبل ثلاث سنوات لا أعرف عنها إلا ما تصلني الدعاية عنه، كنت أعتقد أن العطور التي تحظى بالدعاية الأكبر هي الأفضل، إلى أن اكتشفت بأن العكس يكاد يكون الصحيح، لأن أفضلها لا يحظى إلا بالقليل من الدعاية وبعضها لا توجد لها أي دعاية، وأن أفضل العطور تصنع من مكونات طبيعية وثمنها مرتفع لارتفاع ثمن المكونات. الدعاية أو (الإعلانات) تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل مخيلتنا عن الأشياء، وأتذكر وصية لرجل أعمال مصري نسيت اسمه كان قد أوصى موظفي شركته (متوقفوش إعلانات حتى وأنا ميّت!).