أعضاء الشرف والجماهير يرفضون فكرة ناظر.. وناجع يكتب «الأبيض» مهندس سوداني
فرض هوية الاتحاد
كل شيء في الاتحاد قابل للتغيير.. الوجوه، والأحداث، والإدارة، واللاعبون، والمدربون، وحتى المشجعين.. وحتى التاريخ هناك من يشطب فيه سطرًا وهناك من يضيف فيه حدثًا.. شيء واحد عصي على الاستبدال والإلغاء أو الإحلال والتحويل.. ذاك الصامد اليتيم في عراقة يتخطى عمرها على وجه الأرض 90 عامًا.
ذاك الشعار المُقلَّم بالخطوط المتوازية بين الأصفر والأسود.. ومنذ بدأ اللاعبون المدافعون عن شعار الاتحاد العملاق الجداوي الكبير وذاك القميص يفرض نفسه بوصفه رمزيةً تُمثّل هوية النادي الذي يساير الزمن تطورًا وتحديًا وصمودًا أمام كل الصراعات الكروية المتواترة.. لا اتحاد بلا قميص مُقلَّم.. تلك الخطوط لم ترتسم على قمصان يرتديها عشرة لاعبين يركلون الكرة المنفوخة بالهواء، وإنما تصبغت على قلوب أضناها حب الاتحاد.. وأعين امتلأت بالعشق الكبير للعميد.. وبالطبع لهذا القميص ومولده وميلاده حكاية متوغلة في سردية بسيطة تتماشى مع شعبوية الاتحاد نفسه.. فحينما انتهى رفاق خطوات البدايات في سيرته الأولى من قرار التأسيس أوكلوا لإسماعيل زهران مهمة توفير طقم يرتدونه يميزهم عن سواهم، ولاختيار زهران سبب مفهوم كونه كان لاعبًا وموظفًا في الوقت ذاته بجهاز اللاسلكي الذي يمثل وزارة اتصالات حينها، وهذه الوظيفة ربطت زهران بعلاقات وثيقة مع عاملين موظفين في القطاع ذاته من السودان الذي كان نشطًا في المجالات الحيوية والتنموية كافة.. طلب زهران من المهندس السوداني إبراهيم حمودة مساعدته على إرسال أطقم موحدة، فوجد أمامه قمصانًا مُقلَّمة ما بين الأصفر والأسود فأرسلها إلى زهران وارتداها الاتحاديون من ذلك اليوم وحتى الآن، وهذه رواية الموثوق المؤرخ الدكتور أمين ساعاتي.. يمرُّ التاريخ وتمرُّ الأيام وتتعاقب الليالي والأعوام ويبقى القميص المُقلَّم جبلًا لا يتزحزح في أمزجة الاتحاديين..
منتصف الثمانينيات الميلادية جاء لقيادة العميد أحد أولئك الذين يسبقون عصورهم بخطوات متقدمة.. جاء عبد الفتاح ناظر.. كان الاتحاد حينها متراجعًا ومتعثرًا ولا يكاد يجابه الهلال والنصر في الرياض أو الأهلي في جدة.. لم تكن المسافة فارقة لكن الاتحاد يبدو متراجعًا وبوضوح.. مكان لا يليق بأبرز الأندية المترافقة مع نشأة الكرة نفسها.. يقود عبد الفتاح ناظر فكرة التجديد في كل مناحي الاتحاد.. التجديد الإداري والمالي والإستراتيجي وأيضًا تجديد الشعار.. طرح الموضوع في الأوساط الاتحادية.. والنتيجة معروفة.. معارضة القرار ورفض الفكرة وبشكل قاطع من أعضاء الشرف والجماهير.. لم يستطع عبد الفتاح ناظر مجابهة العاصفة فتنحى وألغى المشروع وبقي المُقلَّم صامدًا.. يكتب الفنان التشكيلي علي ناجع مقالًا في عكاظ عن تأثير الألوان في الفوز والخسارة ويقترح على الاتحاديين إقحام اللون الأبيض في طقم الملابس لعل خطوة كهذه تعيد الفريق بطلًا ومنتصرًا..
يلتقط عبد الفتاح ناظر الفكرة ويظهر لاعبو الاتحاد بالقميص المُقلَّم والشورت الأبيض والجوارب البيضاء لأول مرة.. حقق بذلك شيئًا من المعادلة المفقودة.. لم يُغضب الاتحاديين.. أدخل لونًا جديدًا.. كان عبد الفتاح ناظر يحاول أن يجعل من الاتحاد مؤسسة لا تؤطر بأي شيء حتى لو كان الشعار التاريخي.. كان قائدًا اتحاديًا متميزًا والدليل أنه الوحيد الذي فكَّر في الخروج عن المألوف.. وقطع نصف الطريق.. وعاد.. تمامًا كالاتحاد..!!