غانم يعترف.. رئيس النصر يتهم الهلاليين.. والحمادي يكشف حكاية الاحتفال بصفحتين أمريكي..
تجرأ على ماجد
كلوحة معلقة على جدران بيت عائلة أرستقراطية في قصر عتيق، تستقبل نوافذه كل صباح أشعة الشمس الهاربة من وراء المحيط.. كنياشين تتزين بها بدلة عسكرية لجنرال للتو خرج من انتصارات متوالية في معركة استمرت فوق الأربعين عامًا.. كأوسمة شرفية تترامى داخل عيادة جراح قلب ناجح أجرى مئات العمليات المعقدة والخطيرة.. كقصيدة رومانسية مفعمة بالحب والحياة والثقة والعلاقات الإنسانية المكتظة بالمكارم والشهامة والحق والطيبة..
بهذه الصور وأكثر رأى ماجد أحمد عبد الله البطاقة الحمراء تتلألأ أمام عينيه في أمسية مشؤومة في 21 فبراير عام 1989 خلال مواجهة المنتخبين السعودي والإماراتي في التصفيات المؤهلة إلى مونديال 1994.. كانت بطاقة حمراء في ليلة سوداء.. كانت الأولى والأخيرة واليتيمة والغريبة.. غرابة عازف الليل، وغرابة اشتعال النيران في عرض البحر، وغرابة اللحظات الضاحكة في حياة المساجين إلى الأبد.. فعلها حكم أمريكي ودخل التاريخ.. اسمه فينشينزو ماوري من أصول إيطالية..
ولد في 23 أكتوبر عام 1942.. في عام 1962 أوقف دراسته الجامعية والتحق بعائلته المهاجرة إلى أمريكا.. أكمل خدمته العسكرية، ثم تابع دراسته هناك، و”تأمركت” حياته كلها، فأصبح اسمه فينسنت ماوري.. اتجه إلى كرة القدم، واختار مهمة ومهنة التحكيم منذ عام 1974، وتوشح بالشارة الدولية عام 1985.. وبعد أربعة أعوام طرد ماجد في سنغافورة.
وحينما يطرد لاعب مثل ماجد عبد الله فهذا حدث استثنائي تثار حوله كل الأسئلة المشروعة والإجابات الناقصة.. كثير من الروايات والحكايات والمداولات.. طرد مارادونا، وطرد ميسي، وطرد رونالدو، وطرد أساطير غيرهم، لكن طرد ماجد ما كان مجرد عقوبة يقررها شخص يدعى حكم المباراة..
في صبيحة اليوم التالي لم تفرد الصحافة الخليجية مساحة واسعة لأحداث المباراة الملتهبة، التي انتهت بالتعادل السلبي، وراح كل تركيزها على لحظة اتخاذ الأمريكي ماوري القرار الصادم.. صفحات كثيرة وبرامج كثيرة انشغلت بحثًا عن الحقيقة.. بعد المباراة مباشرة اعترف مدافع منتخب الإمارات مبارك غانم بخداع الحكم والنجاح بإخراج اللاعب السعودي الأهم في المباراة..
قال مبارك غانم وبالنص: “مثلت على الحكم، وهذا بتعليمات من المدرب البرازيلي زاجالو وإداري المنتخب، وخروج ماجد أراحنا بالفعل لأن المنتخب السعودي كان يهاجمنا بقوة من أجل التسجيل”..
وتمر الأعوام ويرتبط ذاك المدافع الإماراتي بهذا الحدث.. في كل محطة يحضر فيها مبارك غانم يسأل الأسئلة نفسها.. والرجل يجيب بالإجابات نفسها.. خدعت الحكم وطرد ماجد..!!
ينبري الراحل عبد الرحمن بن سعود، رئيس النصر، في ركاب المدلين بدلوهم، ولكن من زاوية نائية.. يزعم أن أربعة صحافيين هلاليين تعانقوا ورقصوا فرحًا واحتفالًا في المنصة لحظة خروج ماجد مطرودًا.. تطال الاتهامات الصحافي الشهير صالح الحمادي.. أساسًا الحمادي لم يكن في سنغافورة حينها.. كان هنا في الرياض.. يكتب الحمادي مقالًا صاخبًا على صفحتين مترادفتين في مجلة اليمامة، ويطالب أعلى سلطة رياضية بفتح تحقيق بالحادثة وتبعاتها.. أراد الحمادي تبرئة نفسه من تلك الشائعات الرخيصة المغرضة.. ومعه حق.. فتلك الفعلة الشنيعة، إن صدقت، أكبر مما فعله مبارك غانم وأكبر مما فعله الأمريكي ماروي..
يثار في أجواء الصحافة السعودية أن “فيفا” تدخل وشطب الحكم الأمريكي من سجلاته عقابًا لما فعله مع ماجد.. هذا كلام ينافي الحقيقة تمامًا. في مونديال إيطاليا سجَّل حضورًا لافتًا، وقاد مواجهات عدة، أبرزها مباراة الأرجنتين والكاميرون بحضور مارادونا، وأيضًا مواجهة بلجيكا وكوريا.. كارلوس ألبرتو مدرب المنتخب السعودي حينها هاجم الحكم بضراوة بسبب الطرد.. مبارك غانم اعترف بدور زاجالو في الحادثة.. بعد نحو خمسة أعوام يلتقي كارلوس ألبرتو مع زاجالو في قيادة المنتخب البرازيلي ويقودان بلادهما لانتزاع كأس العالم 1994.. كان ذاك المونديال الوحيد الذي شهد مشاركة ماجد..
إنها مفارقات الحياة ودروبها الوعرة.. أمريكا القاسم المشترك في الطرد.. في استقبال ماجد موندياليًا.. في لقاء زاجالو وكارلوس ألبرتو.. في منح ماروي الجنسية والحياة واللحظة التاريخية..!!