الحكم البلجيكي يستعرض التاريخ الكبير ويستعيد الذاكرة السيئة عام 2010 لكمة جمال
تغيّر لوائح «فيفا»
ترتهن الذاكرة الكروية لحظات الأهداف الصاخبة.. لحظات الفرح المجنونة.. لحظات التتويج بالإنجاز والذهب والبطولات.. أيضًا تفسح مكانًا واسعًا لكل حدث يمكن وصفه بالخارج عن المألوف.. البطاقات الحمراء والضرب وأشكال العنف والاعتداء من دون كرة.. وعندما تجمع لحظة واحدة كل هذه الخارجات عن العقل والمنطق وواقع الأشياء وأيضًا الفعل المألوف فهذه لا يمكن إلا التوقف عندها طويلًا لهثًا وراء حقائق غائبة أو أكاذيب راسخة.. في عام 1983 واجه المنتخب السعودي نظيره الكويتي في كأس العالم العسكرية وسط أبوظبي، العاصمة الإماراتية.. يوم شتوي مشمس.. الكويتي الأزرق مدجج بأقوى جيل كروي عرفته ملاعب الكرة الخليجية والعربية.. جاسم يعقوب والبلوشي والعنبري والطرابلسي وبقية الكتيبة المرعبة التي تولت تسجيل أهم إنجازات الكويت..
في الجهة المقابلة السعوديون يتلمسون خطوات الانطلاق نحو المستقبل.. ينتهي الشوط الأول سلبًا بعد أوقات طغى عليها الحذر المبالغ فيه.. يأتي الشوط الثاني مكتظًا بسجال متبادل حتى مشارف الدقيقة الـ 20.. كان ماجد على موعد مع شباك الطرابلسي الحصينة.. يتقدم السعوديون ثم يمسك الأزرق بزمام المبادرة حتى أطلق الحكم البلجيكي أليكيس بونيت صافرته معلنًا ضربة جزاء كويتية جاء منها التعديل بواسطة عبد العزيز العنبري.. المعلق السعودي علي داود يصف القرار بالغريب.. تبدأ الأشواط الإضافية ويشهر هذا الحكم بطاقته الحمراء في وجه المهاجم السعودي جمال فرحان عقب مخاشنة مشكوك بصحتها أمام الكويتي مبارك مرزوق.. يعود المعلق السعودي علي داود ويتحدث عن حالة الطرد ويقول: “شيء عجيب.. عجيب جدًا.. شيء خرافي”.. يعترض النعيمة على قرار الحكم بقوة.. تستأنف المباراة ويضيف يوسف سويد هدفًا كويتيًا ثانيًا.. بدت الأمور وكأنها تتجه لفوز كويتي صريح.. يبدأ الشوط الإضافي الثاني.. محاولات سعودية يائسة لتدارك الأوضاع والتعديل أمام فريق مكتمل وقوي ومتمكن.. ينطلق يوسف سويد من منتصف الملعب وينفرد بالمرمى ويوقفه المدافع سمير عبد الشكور من قميصه ثم يطلق الحكم صافرته ويستعيد مشهد إشهار البطاقة الحمراء وهذه المرة في وجه سمير عبد الشكور.. فعليًا أصبحت المباراة شبه مستحيلة على الأخضر.. خاسر بهدفين ومنقوص لاعبين وتبقى وقت قصير.. أجواء مكهربة تسيطر على المشهد.. لاعب سعودي مصاب يتعالج واللاعبون محيطون به.. يتسلل جمال فرحان بهدوء إلى الملعب.. تلك الأيام بإمكان اللاعب المطرود الجلوس على مقاعد البدلاء..
كان جمال يتابع ما تبقى من اللقاء بجانب زملائه الاحتياطيين.. يصل إلى منطقة التجمع.. يباغت الحكم بلكمة خطافية سريعة وقاسية وقاضية.. الحكم البلجيكي المولود عام 1939 المتمتع بطول فارع يسقط على الأرض مترنحًا كالديك المذبوح من تداعيات اللكمة القوية.. كان بونيت واحدًا من أبرز حكام كرة القدم حول العالم في الثمانينيات.. قاد مباريات مهمة في مونديال 82 أبرزها مواجهة إسبانيا وإنجلترا كما قاد نهائي دوري أبطال أوروبا عام 1987 بين بايرن ميونيخ وبورتو.. بعدها بعامين اعتزل التحكيم الذي أصبح فيه اسما دوليًا منذ عام1975.. ما زال بونيت على قيد الحياة وقد بلغ الـ 84 حيًا يرزق على هذه الأرض..
.. في حوار له مع موقع بروز البلجيكي عام 2010 يستذكر بونيت تلك الحادثة ويقول: “حكّمت 5 مباريات نهائية أوروبية لكن ليست كل الذكريات جميلة فمباراة السعودية والكويت مثلًا انتهت بشكل سيئ إذ قمت بطرد لاعب سعودي فاعتدى لاعب آخر علي”.
.. يتحدث علي داود طويلًا بعد لكمة جمال ويوجه انتقادات تنظيمية ويستغرب تكليف حكم أوروبي لمباراة خليجية كون هذا الأوروبي سيغادر إلى بلاده بعد المباراة ولن يعمل أي حسابات للضغوط..
.. بعد المباراة تتهم أصوات كويتية البرازيلي زاجالو، مدرب المنتخب السعودي، بتحريض جمال فرحان على هذا الاعتداء.. الصحافة الكويتية زعمت أن زاجالو أعطى جمال فرحان خاتمه ليسدد اللكمة.. هذا كلام نفاه جمال تمامًا.. بالطبع يطال الشطب جمال فرحان من سجلات كرة القدم محليًا ودوليًا.. لم تكن هذه اللكمة مجرد حادثة عابرة.. يبدأ الاتحاد الدولي لكرة القدم بمراجعة لوائحه ويدرس من حينها منع اللاعب المطرود من الجلوس على مقاعد البدلاء.. يمضي الزمن بجمال فرحان الذي بدأ كرويًا في نادي النصر الكويتي وانتهى بقميص الاتحاد السعودي لأعوام قليلة قبل أن ينضم إلى الأخضر ويشطب عقب اللكمة.. يغيب عن الرياضة نحو 15 عامًا ثم يعود لفترة قصيرة إداريًا في الاتحاد ويعود مرة أخرى للابتعاد.. لكمة غيرت لوائح “فيفا” وحادثة صامدة في ذاكرة كرة القدم.. هذا رصيد جمال..!!