إيحاء كاذب!
يظهر أن الإيحاء الكاذب أكثر تأثيرًا من الحقيقة، والناس تتأثر فيه أكثر من الأدلة والبراهين. يتعب المتواضع كثيرًا في حياته، وإن كان ممتلئًا بالقوة المعرفية أو المالية، لأن الأكثرية تعتقد أنه ضعيف، بينما تمشي أمور الضعيف الفارغ الذي يوحي للناس بأنه قوي، نسبة كبيرة تأسرها مظاهر القوة، تنقاد وتخضع لها، وإن كانت ضعفًا ترتدي ثياب القوة. في التجارة يلعب المظهر دورًا كبيرًا، لنقل أنك تبيع حبوب القهوة، وقهوتك من أجود الأنواع، لكنك تركز على جودة المنتج لا على جمال التغليف، وفي نفس الوقت هناك شخص آخر يبيع حبوب قهوة رديئة في علبة جميلة فاخرة، سيبيع هذا الشخص حبوب القهوة الرديئة بثمن أكثر بكثير من حبوب قهوتك الممتازة، وسيقبل الناس عليها أكثر من قهوتك، لأنه أوحى للناس أن حبوب قهوته ممتازة من خلال العلبة الفاخرة. يسمون هذا في عالم التسويق (براند). ولا يعني هذا أبدًا أن كل العلب الفاخرة تحتوي على منتج ضعيف. يعتمد التجار في بيع منتجاتهم على الإعلانات، ومنذ سنوات أصبح مشاهير السوشال ميديا أفضل مسوقين للمنتجات، ولا تستغربوا إن كان تأثير أحد المشاهير أو إحدى المشهورات أكثر من قناة تلفزيونية عمرها أكبر من المشهور والمشهورة. عمل المشهور يتركز في الإيحاء للمتابع بأن المنتج ممتاز، وشراءه فرصة ذهبية، فيتم الشراء من خلال الإيحاء وليس من خلال ملامسة المنتح ومعرفة جودته. من هذا الباب تم (تدبيس) آلاف المشترين بآلاف المنتجات الرديئة. ولا يعني ذلك أن بعض المشاهير لا يعلنون عن منتجات ممتازة. الإيحاء الكاذب هو إضافات خادعة، أو كلمات غير صحيحة على شيء ما للتلاعب بعقل المقابل، يستخدم في كل المجالات، حتى في الحب الكاذب. ولو كانت المظاهر حقيقية أو الكلمات صحيحة فلا يسمى هذا إيحاء بل واقع حال. يقول أحد الأصدقاء العقاريين، دخل علينا رجل في مكتبنا العقاري، ملابسه نظيفة فقط، لا بهرجة ولا عطر ثمين فوّاح، رجل هادئ، كان يبحث عن مبنى للبيع أو للإيجار، لم نهتم لأمره واعتذرنا منه، لاحقًا اكتشفنا أنه (فلان) من أفضل التجار سمعة ومصداقية. يضيف الصديق بأن التاجر لم يوحي لنا أنه قادر على شراء أو استئجار مبنى، كل الذين اشتروا واستأجروا بمبالغ كبيرة قد أوحوا لنا بمظهرهم وطريقة كلامهم، خصوصًا الذين (تدبسنا) معهم، وكان مظهرهم وكلامهم أكبر بكثير من حقيقتهم. في أماكن كثيرة من العالم يتم خداع الناس بالربح السريع، ينشر أحد المحتالين أنه يقدم أرباحًا أضعاف ما تقدمه البنوك، يوحي للناس بمظهره وطريقة عمله أنه فلتة زمانه الاقتصادية، تدفع قلة من الناس أموالهم إليه، يوزع الأرباح من نفس الأموال، يسمع آخرون بالأرباح الكبيرة، يحاولون التأكد ممن سبقهم، يتأكدون، يدفعون أموالهم، تتكرر العملية، تكثر الأموال المدفوعة، ثم يطير المحتال بالمال. طريقة احتيال قديمة، نجح المحتال فيها بالإيحاء للطمع الكامن في أعماق المستثمرين. يؤسفني القول في عالم يسهل فيه الإيحاء الكاذب بأن الحقيقيين يعانون.