كلام ويك إند
شكّلتُ صداقاتٍ مع زملائي العرب، وصار عندي في معظم البلدان العربية أصدقاءٌ بعد عودة معظمهم إلى بلدانهم. اليوم أتذكر حكاياتهم وأحلامهم وأفكارهم، صرت أشتاق إليهم كثيرًا، وإلى أجواء العمل تلك، الأجواء التي كررتُ حينها أكثر من مرة بأنني مللتُ منها، أسمي ذاك الملل اليوم بأنه سوء تقدير وقلة عقل! لاحظت أن الزملاء كانوا يعبرون عن اشتياقهم لأوطانهم بطرق متعددة، كانت طرقًا غير مباشرة، مثل الاشتياق لتناول وجبة في مطعم كانوا يتناولون فيه الطعام، وكان كل واحد منهم يرى أن أكل بلده هو الأفضل، وأفضل المطاعم في بلده. حدثت خلافات كثيرة في شأن الطعام الأفضل، مع أن كل واحد منهم لو ولد وعاش في دولة ثانية سيقول الشيء نفسه عن تميز بلده في المأكولات. قال زميلي السوداني لزميلنا المصري: واللهي الناس ما تعرف الأكل السوداني حق المعرفة.. الأكل السوداني مظلوم إعلاميًا، الأكل السوداني أحسن من المصري. أجاب الزميل المصري: شوف الراجل المجنون بيقول إيه.. ياعم الأكل المصري ولا فيه زيه بالكون.. دا الكشري بقا أكله عالمية. صالح العراقي كان يتحسر إذا جاءت سيرة الطعام، يضرب كفيه ببعضهما، ويسحب تنهيدة عميقة، ثم يقول: والله ما كو مثل الأكل العراقي.. جذب تلقى مثله، يا يابه شلون المسكوف.. شلون الدولما.. شلون الباجه.. شلون كبة الموصل.. جذب أكو أحسن من الأكل العراقي. زميلنا سالم اليمني إذا ما جاءت سيرة الأكل يلغي كل المطابخ: المطبخ اليمني هو أفضل أكل في العالم كله، لو تروح اليمن وتاكل الأكل اليمني ما راح تاكل شي ثاني، وعلي النونو أحسن لاعب. اللبناني حكايته حكاية، لا يختلف عن اليمني في إلغاء بقية المطابخ، لكنه يلغي أثناء الحديث عن الأكل أي شيء خارج لبنان، كان توني يبتسم وهو يردد: يا خيي ما فيه أطعم وألز من الأكل اللبناني، تاكل في أحلى هوْيات، بأحلى منظر في العالم، كل شي طازج من الأرض، ما فيه أحسن من أرض لبنان! ومن الخطر أن يُفتح حديث الأكل إذا وُجِد لبناني وسوري في المكان نفسه، سيطول الجدال عن أصل الأكلات الشامية، كلٌ يدعي أنها تعود لبلده، ولا ينتهي النقاش إلا بعد المرور بالحرب الأهلية اللبنانية واجتياح إسرائيل للبنان عام 1982. زميلنا التونسي وسيم كان يهوى النقاشات، وهو الوحيد الذي كانوا يتجنبون النقاش معه، لأنه يلاحقك أينما تذهب ليبرهن لك صحة كلامه بالأدلة والبراهين والشواهد، يرافقك إلى مكتبك ويدخل معك المصعد، يتبعك إلى مواقف السيارات حتى يقنعك بصحة كلامه. أيام العمل جميلة مع الزملاء، قد لا نعرف قيمتها إلا بعد فقدانها.