إلى أن تعود
لا يكفي أن نحفظ النكتة، علينا أن نعرف كيف نلقيها وإلا ماتت قبل أن نكملها، أعرف أشخاصًا لديهم المقدرة على إضحاك الناس من ربع نكتة، بينما يفشل آخرون مع أن لديهم نكتة مضحكة. الإلقاء بصورة عامة فن قائم بذاته، سواء كان للنكات أو لغيرها. أتذكر أحد الأشخاص كان يصنع حكايا مضحكة للغاية، كان يقولها على إنها حقيقة، وكنا نستمع له دون أن نشعره بأننا نعرف بأنه ينسج من خياله، كانت مواجهته بكذبه تعني حرماننا من قصصه المضحكة وهذا ما لم نكن نريده. يعرف كل من يقرأ التراث العربي أن لديه كنز من الطرائف جمعها أدباء أدركوا قيمة الكنز وحرصوا على إيصاله للأجيال اللاحقة، واليوم كلما قرأت من طرائف التراث تذكرت جهد الذين جمعوه وأوصلوه لأجيال جاءت بعدهم بألف عام. من آخر قراءة جمعت بعض الطرائف، وأبدأ بطرفة الزوجة الذكية «مما ورد في ذكاء بعض نساء العرب قديمًا أن امرأة أراد زوجها أن يسافر سفرًا طويلًا لبلد بعيد، وبينما هي تودعه نظر إلى خاتم من الذهب في يدها وقال: أعطني خاتمك لأذكركِ به. فقالت له الزوجة: هذا خاتم من ذهب، ومن أخذ الذهبَ ذَهَب. ثم أخذت عودَ خشبٍ صغير من الأرض وقالت له: خذ اذكرني بهذا العود إلى أن تعود». لقد أفشلت المرأة الذكية مخطط صاحبنا، كان يريد بيع خاتمها والسهر في مطعم يقدم الألحان الأندلسية. كان اختيار الأسماء مرتبط بالبيئة والظروف، ومع تغير الزمن اختفت أسماء كثيرة وظهرت غيرها. في التراث العربي نجد العديد من الأسماء التي اختاروها لإخافة الأعداء، لكن الظرفاء لا يفوتوا فرصة دون أن يصنعوا منها طرفة، الأسماء التالية أسماء عادية، لكن اجتماعها معًا ألهم أعرابيًا طريفًا «أعرابي التقى بقوم فسألهم عن أسمائهم فقال الأول: اسمي وثيق. وقال الثاني: اسمي ثابت. وقال الثالث: اسمي شديد. وقال الرابع: اسمي منيع. فقال الإعرابي: ما أظن الأقفال صنعت إلا من أسمائكم» من الجيد أن تكون الزوجة صريحة، لأن مجاملة الزوج في بعض الأمور مضرة للزوج، لكن الصراحة يجب أن تكون مهذبة، وبأسلوب لا يجرح السامع، الطرفة التالية لامرأة كانت شديدة الصراحة، ولا تهتم بوقع كلماتها على زوجها الذي يبدو أنه كان يستحق ما سمعه منها «سأل رجل زوجته: أتدرين أن الخلفاء العباسيين كانت ألقابهم جميلة، مثل: المعتصم بالله، الواثق بالله، المتوكل على الله.. لو كنت أنا منهم ما أنسب لقب لي؟ فأجابته زوجته: أنت واحد من اثنين، إما العياذ بالله، أو الشكوى لله».