العالم الذي نعيش
كلما اعتقدت أن زمننا هو الأكثر تنظيمًا على صعيد العمل، وأن الشركات العالمية الكبرى تعمل بنظام إداري غير مسبوق، أتفاجأ بما يحطم اعتقادي، ويقول لي إننا مجرد الحلقة الأخيرة من سلسلة ممتدة منذ آلاف السنين. كشف العلماء عن لوح فرعوني عبارة عن سجل الحضور والانصراف للعمال في مصر القديمة. وكشف اللوح دقة نظام العمل، حيث كتبت أسماء العمال الحاضرين، وكشف بأسماء المتغيبين وأسباب الغياب. كانت أعذار الغياب المكتوبة أكثر تقبلًا في الزمن الفرعوني من عالمنا اليوم، تخيلوا أن غياب أحد العمال كان سببه الاحتفال بعيد ميلاد ابنته وهو سبب مقبول عندهم، وكان من المتغيبين عامل قال إن سبب غيابه هو مساعدة زوجته التي تمر بوعكة صحية وكان عذرًا مقبولًا.
تخيلوا لو غاب أحدنا اليوم عن عمله بسبب احتفاله بعيد ميلاد أحد أبنائه، لا أشك أنه سيكون محل «طقطقة» من المدير وشؤون الموظفين والزملاء. شيء واحد لم أحبه في نظام عمل الفراعنة وهو الإجازة التي كانت يومًا واحدًا كل 10 أيام، وكان الأسبوع عندهم يحتوي على 10 أيام وليس 7 كما في عالمنا اليوم.
ربما إذا تغيبت يومًا عن العمل سأقول إني كنت أحتفل بعيد ميلاد أحد أبنائي، وإذا ما سخر المدير مني سأقدم له صورة من اللوح الفرعوني، وأن الغياب بعذر الاحتفال بعيد الميلاد حق من حقوق الموظفين. بالمناسبة.. كان الفراعنة يوقعون بالحروف الأولى من أسمائهم عند الحضور للعمل، وهو أشبه «بالبصمة» في عالمنا اليوم.
أتذكر بعد ظهور بصمة الحضور قرأت خبرًا في إحدى الدول العربية، كان الخبر عن تحايل بعض الموظفين على نظام البصمة، قاموا بجمع بصماتهم وإرسال أحد زملائهم لإحدى الدول الآسيوية الذي استنسخ أصابع تحمل بصماتهم، وصار الموظف الذي يأتي باكرًا يبصم بالأصابع الصناعية نيابة عن زملائه، قال الموظف «حامل الأصابع» عندما كُشف تحايلهم أنه لم يتقاضَ من زملائه أي أموال، وكان يفعل ذلك في سبيل الله! لا شك أن الفراعنة كان لديهم نظام عمل ممتاز بدليل أنهم بنوا الأهرام، حتى من بنوا عجائب الدنيا الأخرى كان لديهم نظام عمل مكنهم من بناء عجائبهم.
تمنيت لو تعرفت أكثر على بقية أنظمة العمل في الأزمنة السابقة، لكي أحصل على أعذار أكثر أقدمها كلما تغيبت عن العمل. قد أجرب في المستقبل أغرب عذر غياب استخدمه أحد الزملاء، سأله المدير: لماذا غبت بالأمس عن العمل؟ فأجاب بكل هدوء وبرود: والله ما كان لي مزاج أبدًا. الغريب أن المدير ضحك ومضى نحو مكتبه دون أن يعاقبه.