كلام ويك إند
ـ عندما كنت صغيرًا قرأت بعض الرسائل التي تصل للأمهات والجدات ممن لا يعرفن القراءة، قرأت أكثر من مرة لعجوز كانت تسكن في الطرف البعيد من الحارة والمؤدي إلى السوق، فسرت اختيارها لي أنني لست صديقًا مقربًا للأطفال الذين يقاربون عمري في ذلك الجزء من حارتنا، لذا لن يعرفوا ما كُتب في الرسائل، وبالتالي لن يخبروا أهاليهم. كان ابنها هو صاحب الرسائل، خطه واضح وجميل، وكان يشرح لها الكثير من الأمور العائلية وموقفه منها، أتذكر أنه كان رافضًا زواج شقيقته من أحد الأشخاص، شرح لها الأسباب وأخفى أسبابًا أخرى، حسب قوله، وعندما قرأت لها هذا الجزء هزت رأسها موافقة رأي ابنها، تمتمت بكلمات منها: والله إني قايلة، بعد حوالي عام من تلك الرسالة شاهدت ابنتهم بثوب زفافها الأبيض تخرج من باب منزلهم تحيطها النساء بعباءاتهن. كان وجهها بريئًا ومرتبكًا جدًا. لا أدري إن كانها زوجها هو الشخص المقصود في الرسالة أم شخصًا آخر، تمنيت من كل قلبي أن يكون شخصًا آخر، وتخيلت نفسي أن أذهب للعجوز وأسألها: هل تزوجت من الشخص الذي في الرسالة؟ سبب تذكري لتلك الرسائل أنني أصبحت مثل «الشيبان» والجدات الذين كانوا لا يعرفون القراءة، فكل من لا يعرف التقنية اليوم هو أشبه بمن لا يعرف القراءة في ذاك الزمن، أحتاج من يساعدني في تنزيل برنامج على هاتفي، وإلى من يفتح لي ما يصلني من ملفات على الهاتف لا أعرف طريقة فتحها. كنت أسمع عن «دورة الزمن»، هذه المرة شاهدتها على نفسي.
ـ هناك مقولة شعبية أحفظ نصفها الثاني ولا أتذكر نصفها الأول، لكني سأشرحها لكم، الإنسان الذي تتخلخل أوضاعه «يتذكر يوم عرسه» كون يوم العرس هو من أيامه السعيدة «هذا المفترض!». لا أعرف لماذا صرت أتذكر وأشتاق لأيام الطفولة مع أن الأوضاع بخير والحمد لله، عدت لمشاهدة المسلسل الكرتوني سندباد، وفلونه، شاهدت مباريات قديمة كنت قد شاهدتها على الهواء مباشرة، مررت على العديد من أغاني الثمانينات، تذكرت وجوه أصدقاء الحارة، والكثير من الذكريات، واليوم الذي «دعست» فيه سيارة مارة على كرتنا الوحيدة. ربما أراد عقلي أن يفصلني عن الركض اليومي، أن يعيدني للوقت الذي كانت آمالي وطموحاتي أن نلعب كثيرًا، أن نلعب مباراة كرة بلا وقت محدد، والحارس يلعب دفاعًا وهجومًا !
ـ عندما وصلني خبر وفاة مارادونا حزنت ثم بكيت، لم ألتق مارادونا يومًا، لم أحضر له مباراة في أرض الملعب، حتى عندما درب الوصل الإماراتي وكان قريبًا مني لم أذهب لأشاهده من بعيد. كان تقصيرًا مني وعدم وفاء لمشاعري تجاهه. أخفيت عن الجميع عمق حزني عندما رحل، كان من الصعب تفسير حزن مشاعري للآخرين، وأن حالتي أكبر من إعجاب شديد ومحبة لكرة القدم ولأسطورة من أساطيرها.
يوم الجمعة قبل الماضي وأثناء لقائي بأحد رفاق العمر جاء الحديث عن مارادونا، ووجدت صديقي يقول: تعرف يا أحمد بأني بكيت عندما سمعت برحيل مارادونا، بكيت لأن مارادونا كان مجدًا في تاريخ حياتي، كان الانتصار الذي كنت أحتاج إليه، كان سنوات عمري الشجاعة والمندفعة والبسيطة، بكيت عليه لأنني كنت أعرفه، كان صديقي، ألا يبكي الناس على رحيل أصدقائهم؟