نصيحة مبابي تكشف مرمى الأهلي
في يونيو 2001 أطلق المخرج الأمريكي روب كوهين أوَّل أجزاء سلسلة أفلام السريع والغاضب «فاست آند فيوريوس»، الذي أحدث ضجة آنذاك، وجنى أكثر من 40 مليون دولار، بعد أسبوع واحد من عرضه داخل قاعات السينما، مُحلّقًا بشهرة وثروة أبطاله، وعلى رأسهم النجم فين ديزل، إلى مستويات قياسية.
وبعيدًا عن الملايين وأصحابها من قاطني الأبراج العاجية، كانت الدائرة الباريسية التاسعة عشرة تؤوي وقتها رضيعًا لا يتجاوز عمره عامين، يُدعى موسى ديابي، ينتمي لعائلة ماليَّة الجذر، تناضل كغيرها من أبناء الطبقات الكادحة لتحصيل الرزق وتأمين لقمة العيش.
وخلال أعوام وجيزة كبُر الطفل، واشتدّ عوده، وأظهر قدرات بدنية وُهبت له دون سعي أو سؤال، ومنحته، على لسان أقرانه، لقب «السريع والغاضب» تشبيهًا له ببطل الفيلم، الذي تتابعت أجزاؤه لاحقًا على دور العرض في فرنسا.
بالتدريب والاجتهاد، يُمكن لأي لاعب الحصول على مهارات قابلة للاكتساب، إلا السرعة، فهي فيض إلهي، يسبغه الواهب على من يشاء، وديابي واحد من هؤلاء المحظوظين الذين ولدوا بقدرات حركية لا تتوفر لكل شخص في مهده.
داخل نادي «إسبيرانس باريس E19»، المختص بتنمية المواهب الشابة، بدأ الفتى مرحلة التأسيس الكروي، وبرفقته أسماء، ذاع صيتها لاحقًا، على غرار الفرنسي يوسف فوفانا، والمغربي أمين حارث، وهناك أحدث حالة إبهار بصري للجميع، ولا سيما الرئيس مراد جدّي، الذي قضى عمره بين الإدارة والتدريب.
يقول جدي: «لقد كنت مدربًا منذ الـ 17 من عمري، رأيت الكثير من الأطفال ذوي الإمكانات الكبيرة، وتابعت أين انتهى بهم الأمر، بالنسبة لي، العمل الجاد مهم، لكن الموهبة الفطرية هي التي تصنع الفارق، خاصة في المواقف الهجومية، وموسى، منذ صغره، تمتّع بهذه الموهبة، وامتلك قدرة خاصة على تخطّي خصومه».
وفي حين يحرص اللاعبون الصغار، خلال رحلة صعودهم، على متابعة النجوم الكبار، وانتقاء قدوة من بينهم والسعي إلى تقليده واقتفاء أثره، لم يكن موسى كذلك، لأنه ببساطة لا يحب مشاهدة كرة القدم وتلمُّس أخبارها، وإنما ممارستها ميدانيًّا.
«عندما كنت صغيرًا، لم أتخذ قدوة حقًا. ربما لأنني لم أشاهد المباريات بما فيه الكفاية. فضَّلت اللعب بالخارج على الجلوس أمام التلفاز». وبهذه العقلية قضى موسى مرحلة التأسيس، متبعًا نموذجه الخاص، الذي منحه طابعًا وأسلوبًا يميزانه عن غيره.
اللاعب السريع مثل حصان جامح، إذا تُرك دون لجام، فستنقلب سرعته وبالًا عليه. وديابي لم يُدرك ذلك في بادئ الأمر عندما انضم إلى باريس سان جيرمان عام 2013، واحتاج إلى خيّال ماهر يروّض سرعته الفائقة ويشرح له كيفية الاستفادة منها.
وفي واقع الحال، لم يكن ذلك الخيال مدربًا، وإنما زميله كيليان مبابي، الذي يكبره بأشهر قليلة فقط لكنه يسبقه بأميال على مدارج النجومية، لذا لم يجد ديابي غضاضة في الاستماع له. وعمّا دار بينهما قال: «إنه يريد الفوز بكل شيء، حتى في التدريبات، كان يسعى دائمًا إلى تسجيل الأهداف. قال لي: عليك استثمار سرعتك. حاولت تطبيق نصيحته وتحسَّنت. كان عليَّ تعلُّم متى أحتاج إلى استخدامها. كلّما تقدّمت في العمر، كلّما عرفت جسدك وعقلك أكثر. وبمساعدته أصبحت قادرًا على تحديد موقعي، واكتسبت الثقة للهجوم بجودة عالية».
ومع أنه لم يستمر في سان جيرمان، ورحل إلى باير ليفركوزن الألماني صيف 2019 بعد العودة من إعارة قصيرة لكروتوني الإيطالي، إلا أن ابن العاصمة الفرنسية تحوّل بفضل نصيحة مبابي، إلى لاعب آخر يُحسن استخدام سرعته، ويستطيع ضبط تحركاته بالكرة ومن دونها.
الألمان أدركوا هذه السرعة الخرافية لديابي. ليفركوزن وحده أفلت من غارات النفاثة التي جاست خلال الديار. انطلاقته الصاروخية بسرعة 36.52 كيلومتر في الساعة أمام فولفسبورج 22 أكتوبر 2022 شهق لها الجميع، وحطمت أرقام ذلك الموسم، وقلبت الموازين، وجعلته مثار الأحاديث لفترة، حتى جاء كريم أديمي، جناح بوروسيا دورتموند، وتجاوزها.
وعندما دخل الفرنسي منطقة جزاء الأهلي، الخميس الماضي، أظهر إلى أي حد أفادته نصيحة مبابي.. بدأ جناح الاتحاد أولًا بضغط زر سرعته إلى أقصى مدى، ثم تمهّل، وموّه يمينًا ويسارًا، وفي لحظة فارقة اندفع «السريع والغاضب» بجينات نسر جارح من مالي يطارد فريسته، مُجتازًا سعد بالعبيد، ظهير المنافس، ثم كشف المرمى بتمريرة لزميله صالح الشهري، وتركه يكمل مهمة حسم الديربي.