المال.. كلاكيت ألف مرة!
عندي مشكلة عقلية، ولا أطمح لحلها لأن حلها صعب، لكني أطمع بالتصالح معها على الأقل، أن نعقد هدنة ولو مؤقتة. باختصار عقلي مشتت، لا يثبت على قناعة، ويوعز لنفسي بشتى أنواع الأمزجة المتناقضة. لذلك أبدو في نفس اليوم عدة أشخاص في جسد واحد.
في الصباح قد أرى المال هو الأهم لأنه يحل الكثير من المشاكل، ويعطي حامله الحرية، حرية الرأي والقرار، يعطيه المساحة من الراحة والثقة، وقد لا أبلغ وقت العصر حتى أرى أن أفضل قناعات الإنسان تكمن في التخلي عن الحصول على الأشياء، لأن الحصول عليها يتطلب ركضًا لا ينتهي، وعلى حساب الوقت والصحة والغياب عن تجمعات العائلة، وقد يصل الأمر للحصول على الأشياء التنازل في مواقف معينة.
وهنا تكمن عبقرية التخلي الذي يجعلك حرًا في داخلك، مستغنيًا نفسيًّا، صحيح أنه يبقيك في مستوى محدود، لكنه يعفيك عن التعب وراء الماديات. وقد لا يحل المساء إلا وأنا مقتنع قناعة تامة أن أفضل ما يملأ الإنسان نفسه هو العطاء، أن تكون معطاءً لمن حولك، والصدر الحنون لهم، والعضد الذي يساعدهم في تخطي ما يعترضهم من حواجز، ما قيمة الإنسان دون أفعاله الحميدة، وأياديه البيضاء، وقلبه الرقيق، ما أجمل أن تغيّر في حياة غيرك للأفضل، أن تكون الفلاح الذي يزرع ليحصد الآخرون ما يقويهم في رحلة الحياة.
لكني وبمجرد وضع رأسي على وسادة النوم قد أكون اتخذت قرار الاعتزال، أن أبتعد عن كل الصخب الذي يصدر من الأفواه، ومن تصرفاتهم التي يدفعها الطمع والحسد، وعن صراعاتهم من أجل التملك والحصول على ألقاب البهرجة. وقد أصحو بعد منتصف الليل وأنا أظن الغوص العميق في العمل يقي الإنسان من تناقضات القناعات، لأن العمل يشغل الإنسان، كما أن تكراره والتركيز عليه يحسن الأداء، وقيمة الإنسان فيما يفعل، لذا أنام على هذه القناعة مقررًا الانغماس في تفاصيل العمل.
المؤكد أنني لن أصحو على القناعة الأخيرة، قد أصحو على قناعة تقول إن العمل الطويل يبقي الإنسان في لون واحد من ألوان الحياة، ويحرمه من التعرف على جمالياتها الكثيرة، كما أن الإنسان لم يخلق ليكون عاملًا فقط، ولنفسك عليك حق. أعلم بأن مشكلة العقل إن وقعت عويصة، ومن خلال تجربتي مع القناعات وتناقضاتها وجدت أن الأفكار والقناعات لا تتصارع إلا عندما ينخفض منسوب المال.